للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن ثابتاً للحال لا يجعل حكماً على ما مضى، ألا ترى أن في مسألة الطاحونة لو اتفقا على انقطاع في بعض مدة الإجارة واختلفا في مقداره، فإن قال المستأجر: كان الماء منقطعاً شهرين، وقال صاحب الطاحونة: لا بل انقطع شهراً، فإنه لا يحكم الحال ولكن القول قول المستأجر مع يمينه، لأنهما اختلفا في مقدار مدة الانقطاع، ومقدار مدة الانقطاع للحال غير ثابت إنما الثابت للحال نفس الانقطاع إن كان الماء للحال منقطعاً لا انقطاع، مقدار شهر أو شهرين، وكذلك إن كان القيام هو الحرمان، وفي مسألتنا حاصل الخلاف وقع في مقدار مدة الإسلام لا في نفس الإسلام إنه كان أو لم يكن، والثابت في الحال نفس الإسلام لا إسلام مقدر بقدر شهر أو شهرين، بخلاف ما لو اختلفا في انقطاع الماء، ادعى المستأجر انقطاعه وأنكر صاحب الطاحونة، وذلك لأن الاختلاف وقع في نفس الانقطاع فيما مضى لا في مقداره، ونفس الانقطاع للحال يدل على ثبوته فيما مضى، إذا لم يحدث للحال معاينة، فوجب تحكيم الحال على ما مضى.

وإذا كانت الدار في يدي ذمي، فادعى رجل مسلم أن أباه مات وتركها ميراثاً له لا يعلمون له وارثاً غيره، وأقام بينة على ذلك من أهل الذمة، وادعى ذمي فيها مثل ذلك، وأقام بينة من أهل الذمة، فإنه يقضي بها للمسلم، وذلك لأن بينة المسلم حجة على ذي اليد وعلى من ينازعه وهو الذمي الخارج، وبينة الذمي إن كانت حجة على ذي اليد؛ لأن ذا اليد ذمي، فليس بحجة على المسلم الخارج، وكما يصير ذو اليد مقضياً عليه ببينة كل واحد من المدعين، فكل واحد من المدعيين الخارجين يصير مقضياً عليه في النصف من جهة صاحبه، ولهذا قالوا: لو ادعى أحد المدعيين النصف الذي قضي به لصاحبه، وأراد أن يقيم البينة على ذلك لا يسمع ما لم يدع تلقي الملك من جهة المدعيين، وإذا لم تكن هذه البينة حجة في حق الاستحقاق على المسلم، صار وجود مدة البينة في حق المسلم وعدمه بمنزلة، ولو عدم بينة الذمي أصلاً كان يقضي بجميع الدار للمسلم فكذا هذا، ولو كانت بينة الذمي مسلمين قضيت بالدار بينهما نصفان.

فرق بين هذا وبينما إذا مات الرجل وترك ابنين أحدهما مسلم والآخر ذمي، أقام كل واحد من الابنين بينة أن أباه مات على دينه، كانت بينة المسلم أولى، ولم تترجح بينة المسلم منهما، وذلك لأن في تلك المسألة البينتان إنما قامتا لإثبات إسلام الميت وكفره، وقد استويا في الإثبات من الوجه الذي ذكرنا، ويرجح ما يوجب الإسلام على ما يوجب الكفر على ما مر، فأما هاهنا البينتان قامتا لإثبات الملك لا لإثبات الإسلام والكفر، فإن ذلك ثابت باتفاق الخصمين، إلا أن أحدهما يثبت الملك للمسلم، والآخر للكافر، ولم يوجد ما يوجب ترجيح بينة المسلم في حق إثبات الملك له، فإن الكافر في تملك الأموال والمسلم سواء، ألا ترى أنهما لو أخذا صيداً أو اشتريا مالاً كان بينهما نصفين؟ فلهذا يقضى بينهما نصفين.

وإذا مات الرجل وترك داراً فقال ابن الميت وهو مسلم: مات أبي وهو مسلم وترك هذه الدار ميراثاً لي، وجاء أخ الميت وهو ذمي فقال: مات أخي وهو كافر على ديني

<<  <  ج: ص:  >  >>