فلم تكن الشهادة منه بالوصية بالعبد الآخر إعادة إلى نفسه بعض ما صار مستحقاً عليه، فلم يكن بهذه الشهادة دافعاً عن نفسه مغرماً ولا جاراً إلى نفسه مغنماً ولا ساعياً في نقض ما تم قضاء أمضى عليه، فقبلت وإذا قبلت لا شيء للموصى له الأول؛ لأن وصيته تثبت بالإقرار، والإقرار لا يعارض الشهادة؛ لأن الإقرار (حجة) قاصرة والشهادة حجة متعدية، فعند تعذر اعتبارهما كان اعتبار الشهادة أولى، وإذا اعتبرت الشهادة صار كل الثلث مستحقاً للموصى له الثاني، فلا يكون للموصى له الأول شيئاً.
ولو كان القاضي قضى على الوارث بالعبد بإقراره، ثم شهد مع أجنبي آخر على نحو ما بينا لا تقبل هذه الشهادة؛ لأنها لو قبلت بطل قضاء القاضي بالإقرار لكون الشهادة أقوى من الإقرار، واندفع عن الشاهد ما لزمه بإقراره فلهذا لا تقبل هذه الشهادة وإذا لم تقبل هذه الشهادة لا شيء (١٤١ب٤) للموصى له الثاني؛ لأن الثلث صار مستحقاً للأول بكماله بتسليم القاضي إليه، ومحل الوصايا الثلث فلم يبق للثاني شيء، وكذلك لو كانت الشهادة الثانية في العبد المقر بعينه.
كان الجواب على التفصيل الذي قلنا: إن كانت الشهادة قبل قضاء القاضي عليه بإقراره قبلت، وإن كانت بعد القضاء لا تقبل، وإذا لم تقبل الشهادة لا يضمن الوارث للمشهود له فيما سلم القاضي إلى المقر له حصلت الشهادة في العبد المقر بعينه، أو في عبد آخر، لأنه لو ضمن إما أن يضمن بالإقرار أو بالتسليم، لا وجه إلى الأول لأن مجرد الإقرار لا يوجب شيئاً منها على ما مر، ولا وجه إلى الثاني؛ لأن التسليم حصل بقضاء القاضي.
ولو كان الوارث حين أقر سلم العبد المقر به إلى المقر له بنفسه من غير قضاء القاضي، ثم شهد الثاني بذلك العبد بعينه أو بعبد آخر لا تقبل هذه الشهادة لأنه سعى في نقض ما تم به وهو التسليم وسعي الإنسان في نقض ما تم به مردود.
وإذا لم تقبل شهادته ضمن للثاني نصف قيمة العبد المقر به إن كان العبد واحداً، وإن كان عبدين ضمن نصف قيمة العبد المشهود به للثاني، لأنه لما شهد للثاني فقد أقر أنه يسلم إلى الأول ما هو حق الثاني بغير حق فيصير ضامناً له، ولو كان الوارث أقر بثلث المال وصية لرجل، ثم شهد مع أجنبي بالثلث وصية لرجل آخر، إن كانت الشهادة قبل قضاء القاضي عليه بالإقرار قبلت، وإن كانت بعد القضاء لا تقبل لما قلنا.
ولو شهد الوارثان مع أجنبي بالثلث وصية لرجل، ثم شهدا بالثلث وصية لرجل آخر قبل القاضي شهادتهما سواء شهدا للثاني قبل قضاء القاضي للأول أو بعده، لأن الشهادة الثانية هاهنا لا تتضمن بطلان القضاء لأن الشهادة تعارض الشهادة، ألا ترى أنهما يتحاصان في الثلث؟ بخلاف ما إذا أقر الوارث بالثلث وصية لرجل وقضى به القاضي، ثم شهد هو مع أجنبي وصية بالثلث لرجل آخر، فالقاضي لا يقبل هذه الشهادة؛ لأن هذه الشهادة هنا تتضمن بطلان القضاء الأول؛ لأن الإقرار لا يعارض الشهادة.
قال في «الكتاب» : ألا ترى أن الوارث لو شهد مع أجنبي بدين على الميت وقضى