الفريق الأول بشهادة الفريق الثاني، أن حجة إقامة الحد عليهم قد تمت، فوجب أن يقام الحد عليهم وهذا لأن الحجة شهادة الأربع العدول، وقد وجد عدد الأربع ووجدت العدالة، لأنهم لم يطعن فيهم، وإنما وجد الطعن في الفريق الأول بشهادة الفريق الثاني، أما الفريق الثاني فشهادة الأوليين لا توجب طعناً، وقد جاء فيهم فقبلت لظهور عدالتهم، ولا يقال: إن هذه شهادة قامت لنفي الحد عن المشهود عليه الأول، والبينات للإثبات لا للنفي لأنا نقول: ظاهر شهادتهم لإثبات الحد على الفريق الأول فإن تضمن نفياً لا يقدح ذلك في شهادتهم، فما من إثبات إلا وتحته النفي. وأبو حنيفة
رحمه الله يقول: إن قصد الفريق الثاني إبطال شهادة الفريق الأول، لا إقامة الحسبة فلا تقبل شهادتهم، كما لو شهدوا بعد تقادم العهد.
بيانه: أنهم لما لم يشهدوا حتى شهد الفريق الأول فأما أن يقال كانوا كاذبين قصدوا إبطال شهادة الفريق الأول وعلى هذا التقدير لا تقبل شهادتهم، أو يقال: كانوا صادقين وكانوا اختاروا الستر، فلما شهد الفريق الأول حملتهم الضغينة على الشهادة عليهم، وعلى هذا التقدير لا تقبل شهادتهم أيضاً؛ لأن شهادة ذي الضعن مردودة ولأنه يؤدي إلى التهاتر، فإنا لو قبلنا شهادتهم كان يشهد فريق ثالث عليهم أنهم زناة ويشهد فريق رابع على الفريق الثالث، إلى ما لا يتناهى فكان من التهاتر وهو التكاثر فلا تقبل شهادتهم.
وإذا قضى القاضي لرجل بحق ببينة أقامها فيقول المقضي عليه: أنا أقيم البينة أنه لي، لم يقبل ذلك منه، أشار في «الأصل» فقال: لو قبلت من هذا لقبلت من الآخر مثلها فيؤدي إلى ما لا يتناهى، أشار إلى أن المدعى عليه لو تمكن من إقامة البينة على ملكه لنقض القضاء الأول، كان للمدعي أن يقيم البينة أنه لي، ثم يقيم المدعى عليه بعد ذلك أنه لي فيؤدي إلى ما لا يتناهي، فكان من التهاتر والتكاثر فلا تقبل، ولكن هذا القدر لا يصلح عليه لرد الشهادة، فإنه تقبل بينة المدعى عليه على التملك من المدعي، وإنه يؤدي إلى ما لا يتناهي، لأنا لو قبلنا منه ربما يقيم المدعي بينة على التملك من المدعى عليه، ثم المدعى عليه يقيم البينة على المدعي إلى ما لا يتناهي، ومع هذا قبلت بينته على تلقي الملك من جهته، ولكن الصحيح أن هذه بينة قامت على نقض القضاء الأول لا للإثبات، فليس في بينة المدعى عليه إثبات، والبينة القائمة على نقض القضاء مطلقاً لا تقبل، كيف وإنه يضمن أمراً لا يتناهي من الوجه الذي ذكر، فما ذكر في الكتاب لبيان الأولوية لا لرد الشهادة.
قال في كتاب الوصايا: إذا شهد شاهدان أنه دبر فلاناً بعينه إن قتل، وإنه قد قتل وشهد آخران أنه مات موتاً فإنه يقضي بعتق المدبر من الثلث، ولا تجوز شهادة الشهود على الموت، لأن شهود القتل أثبتوا عتق المدبر وشهود الموت نفوا عتقه، وهو المقصود من الشهادة، فأما الموت فإنه غير مقصود، والبينات للإثبات لا للنفي، فلا تقبل شهادة شهود الموت.