للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهادة على الإثبات باعتبار المقصود، وكذلك كل بينة قامت على أن فلاناً لم يقل لم يفعل لم يقر فهذا كله من التهاتر؛ لأنها قامت على النفي.

رجل أقام على رجل بينة على أنه جرحه يوم النحر بمكة هذا الجرح وقضيت بذلك، ثم أقام المدعى عليه الجراحة على أحد الشاهدين بينة أنه جرحه يوم النحر بكوفة، لم أقبل بينته على ذلك قال: لأني قد قضيت بجراحته يوم النحر بمكة، ولا يكون في يوم واحد بكوفة ومكة، وقد ثبت بالبينة الأولى كونه بمكة يوم النحر وتأيدت تلك البينة بإيصال القضاء بها، فتعين البطلان في البينة الثانية (١٤٣ب٤) ولو لم يكن قضيت بالأولى حتى اجتمعت البينتان، والدعوتان أبطلهما لأن القاضي تيقن بكذب أحدهما لأن الشخص الواحد في وقت واحد لا يكون بكوفة ومكة.

قال في كتاب الحدود: لو شهد أربعة على رجل أنه زنى بفلانة يوم النحر بمكة، وشهد أربعة أنه قتل فلاناً يوم النحر بكوفة، أو كانت الشهادة الثانية في نكاح أو طلاق أو عتاق أو جراحة، أو قال رجل لعبديه: أيكما أكل هذا الرغيف فهو حر، فشهد شاهدان أن هذا أكله، وشهد الآخران أن هذا الآخر أكله، لم أقبل شهادتهما، لأن القاضي تيقن بكذب أحد الفريقين، وإن شهد أحد الفريقين أولاً وقضى القاضي بشهادتهم، ثم شهد الفريق الآخر بما وصفنا، لا تقبل شهادة الفريق الثاني؛ لأن شهادة الفريق الثاني تعينت للكذب، وإن رد القاضي الشهود جميعاً ثم مات أحد الفريقين، ثم شهد الفريق الثاني بما شهدوا به وأعادوا شهادتهم لا تقبل شهادتهم؛ لأن الشهادة متى صارت مردودة في الحكم لا تقبل بعد ذلك أبداً، فإن جاء الآخر بشاهدين آخرين قبلت شهادتهما؛ لأنها لم ترد ولم تعارضها البينة الأولى لأنها مردودة في الحكم فوجب القضاء.

وعلى هذا إذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته غدوة يوم النحر بكوفة؛ وشهد آخران أنه طلقها يوم النحر بمكة أو كانوا شهدوا على امرأتين، لم تقبل شهادتهما، ولو شهد أحد الفريقين أولاً، وقضى القاضي بشهادتهم، ثم شهد الفريق الثاني فالقاضي لا يقضي بشهادة الفريق الثاني لما قلنا.

ولو ادعى رجلان ولاء رجل، وأقام كل واحد منهما بينة أنه أعتقه وهو يملكه، ثم مات ولا يعلمون له وارثاً غيره جعلنا الولاء بينهما، وإن ادعى أحدهما أولاً وقضى القاضي بالولاء له، ثم أقام الآخر بعد ذلك بينة على دعواه، فالقاضي لا يقبل بينة الثاني؛ لأن الواحد يستحيل أن يكون مُعتَق اثنين، لكل واحد منهما على الكمال، والبينة الأولى تأكدت باتصال القضاء بها فتعينت الثانية للبطلان، وإذا شهد أربعة أخرى على هؤلاء الشهود أنهم زناة فهذا باطل على قول أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يحد الفريق الأول بشهادة الفريق الثاني، وإنما لا يحد المشهود عليه الأول، أما على قولهما؛ فلأن عندهما قبل شهادة الفريق الثاني على الأول، وظهر أنهم زناة فتعطلت شهادتهم لفسقهم، وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله للشبهة التي دخلت لمكان شهادة الفريق الثاني، والشبهة كافية لدرء الحدود، فأما حجتهما في إقامة الحد على

<<  <  ج: ص:  >  >>