للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبض، واختلتفا في الزمان أو في المكان، فاعلم بأنه وقع في بعض رهن «الأصل» أن الشهادة مقبولة ولم يذكر فيه خلافاً ووقع في بعضها أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تقبل هذه الشهادة، وعلى قول محمد رحمه الله لا تقبل، وذكر في شهادات «الأصل» : أن هذه الشهادة لا تقبل عند محمد رحمه الله، وهو القياس وعلى هذا الاختلاف، الهبة والصدقة والقبض في البيع الفاسد.

وإن شهدا على الإقرار بالقبض واختلفا في الزمان والمكان، تقبل الشهادة بلا خلاف، حجة محمد رحمه الله ظاهر أن هذه شهادة قامت على الفعل وهو القبض، فاختلاف الشهود في المكان والزمان يمنع قبولها قياساً على القتل والغصب، بخلاف ما إذا شهدا على الإقرار بالقبض لأن هناك الشهادة قامت على القول وهو الإقرار ولهما طريقان، أحدهما: يخص مسألة الرهن، والثاني: يعم المسائل.

أما الذي يخص الرهن؛ لأن الشهادة قامت على ما يعاد ويكرر فاختلاف الشهود من حيث الزمان والمكان لا يمنع قبولها قياساً على ما لو قامت على القول، بيانه: أن القبض في باب الرهن مما يعاد ويكرر في زمن واحد، فإن المرتهن قد يعدّ الرهن من الراهن، أو يغصب منه الراهن، ويبقى الرهن على حاله، فيعيد المرتهن القبض مرة أخرى، ويكون القبض الثاني عين الأول من حيث الحكم؛ لأنه لا يعيد من الحكم، وهو الضمان إلا ما أوجبه القبض الأول حتى إذا كان بقيمة الرهن وفاء بالدين وقت القبض الثاني إذا هلك يهلك بالدين، وكذلك إذا لم يكن بقيمته وفاء وقت القبض الأول وصار بقيمتها وفاء وقت القبض الثاني، إذا هلك يعتبر قيمته يوم القبض الأول، فكان كالقول من هذا الوجه بخلاف القتل، فإنه لا يتكرر في شخص واحد والغصب إن كان يتكرر، إلا أن الثاني غير الأول حقيقة وحكماً؛ لأنه لا يفيد حكماً آخر غير الأول، ألا ترى أنه لو ازداد قيمته بعد الغصب الأول فإنه يضمن الزيادة بالغصب الثاني وههنا بخلافه، ولكن هذه الطريقة لا تخرج عليها الهبة والصدقة، فإن القبض الأول أفاد الملك، والثاني لا يفيد الملك.

والطريقة الثانية: أن القبض وإن كان فعلاً من حيث الحقيقة فهو قول حكماً؛ لأن القبض في هذه العقود إنما يفيد حكمه باعتبار العقد المتقدم، فإن العقد المتقدم إذا كان هبة أو صدقة أفاد القبض الملك وإذا كان رهناً صار مضموناً بأقل من قيمته ومن الدين، وإنما تثبت هذه الأحكام بالقبض بسبب العقد المتقدم، لولا العقد المتقدم لصار غاصباً بهذا القبض، فكان الفعل في هذه المسائل تبعاً للعقد؛ لأن ما يبنى على الشيء يكون تبعاً له، وحكم البيع حكم المبيوع فيصير في حكم القول من هذا الوجه، بخلاف القتل والغصب لأن ثبوت حكمهما ما كان باعتبار القول، حتى يجعل في حكم القول تبعاً للقول.

قال في كتاب الطلاق: إذا شهد أحد الشاهدين أنه طلقها يوم الخميس واحدة، وشهد الآخر أنه طلقها يوم الجمعة واحدة، أو شهد أحدهما أنه طلقها واحدة في

<<  <  ج: ص:  >  >>