رمضان، وشهد آخر أنه طلقها في شوال، تقبل هذه الشهادة؛ لأن الطلاق قول، والقول مما يعاد ويكرر، وصيغة الإنشاء والإقرار فيه واحد، فيكون الثاني عين الأول، فلم يوجب اختلافهما في الزمان اختلاف المشهود به، فلا يمنع ذلك قبول شهادتهما.
ولو شهد أحدهما أنه طلق امرأته يوم النحر بمكة، وشهد الآخر أنه طلقها في يوم النحر من ذلك العام بكوفة، لا تقبل شهادتهما لا لاختلاف المكان فقد ذكرنا أنه لا يمنع قبول الشهادة في الطلاق، ولكن لأن القاضي قد تيقن (كذب) أحد الفريقين، فإن الشخص الواحد لا يكون بمكة وكوفة في يوم واحد على مجرى العادة.
ولو شهدا على يومين متفرقين، وبينهما قدر سير الراكب من كوفة إلى مكة قبلت شهادتهما لجواز أن يكون في هذين اليومين في كلا الموضعين، فلم يبق إلا اختلاف الشهود في المكان، وإنه لا يمنع قبول الشهادة في الأقوال كما قررنا، وصار هذا كما إذا قال أحدهما: طلقها في يوم الجمعة في داره، وقال الآخر: طلقها في هذا اليوم في بيته فإنه يقبل هذه الشهادة لما ذكرنا، كذا هذا.
قال في «الأصل» : وإذا شهد أحد الشاهدين أنه تزوج فلانة يوم الجمعة، وشهد الآخر أنه تزوجها يوم الخميس لا تقبل هذه الشهادة، وكذلك إذا اختلفا في المكان أو في الإنشاء والإقرار، لأن النكاح وإن كان قولاً إلا أنه يتضمن فعلاً وهو إحضار الشهود، فكان بمنزلة الفعل من حيث إنه لا صحة له بالفعل، واختلاف الشهود في المكان والزمان والإنشاء والإقرار في الأفعال يمنع قبول الشهادة.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف في شاهدين قال أحدهما: أشهدني هذا منذ عشرين سنة أنه زوجه أمته هذه، وشهد الآخر أنه أشهدني منذ أحد عشر سنة أنه زوجه أمته هذه، فالشهادة باطلة إذا لم يشهد على العقد رجلان.
وإن قال: أشهدني منذ عشرين سنة ومعي غيري، وقال الآخر: أشهدني منذ أحد عشر سنة ومعي غيري فالشهادة جائزة.
وقد ذكر في المسألة المتقدمة وهي مسألة «الأصل» : أن الشاهدين إذا اختلفا في النكاح في الأيام لا تقبل شهادتهما، ولم يفصل الجواب فيها على هذا التفصيل وههنا فصل، فإن كانت تلك الرواية محمولة على هذا التفصيل، فليس بينهما اختلاف، وإن كانت مطلقة من غير تفصيل كان فيه اختلاف الروايتين.
فوجه هذه الرواية: أنه إذا قال كل واحد منهما: ومعي غيري، فقد شهدا بنكاح صحيح عُلِمَ، إلا اختلافهما في الأزمان، والنكاح قول واختلاف الشهود في الزمان في الأقوال لا يمنع قبول الشهادة، كما إذا شهدا بالبيع واختلفا في الزمان، بخلاف ما إذا لم يقولا: كان معنا غيرنا؛ لأنه لما ثبت حضرة غيرهما فقد شهد كل واحد منهما على نكاح لم يحضره إلا واحد، وإنه فاسد، والقاضي لا يقضي بالنكاح الفاسد فلا يسمع البينة عليه، فلهذا لا تقبل شهادتهما.
وجه رواية «الأصل» : أن النكاح إن كان قولاً ولكن شرط صحته بالفعل، وهو حضرة الشهود، فمنع الاختلاف فيه قبول الشهادة، كما لو شهدا بالفعل كالغصب ونحوه،