واختلفا في الزمان، وهذا لأن اختلافهما في الزمان في الفعل إنما منع قبول الشهادة؛ لأنه يوجب اختلاف المشهود به؛ لأن الفعل لا يعاد ولا يكرر، فكان الموجود في الزمان الثاني غير الموجود في الزمان الأول، بخلاف القول فإنه يعاد ويكرر، فكان الموجود في الزمان الثاني غير الأول، فلم يختلف المشهود به، فإذا كان قولاً شرط صحته الفعل، ولا وجود له على صفة الصحة بدون ذلك الفعل يصير مختلفاً لاختلاف الفعل ضرورة، فاختلاف الزمان يوجب اختلاف الفعل، فوجب اختلاف هذا القول فاختلف المشهود به، فلا تقبل شهادتهما.
قال في كتاب الحدود: إذا شهد أحد الشاهدين على القذف، والآخر على الإقرار بالقذف لا تقبل الشهادة وهذا بلا خلاف.
ولو اتفقا على القذف واختلفا في الزمان أو المكان، قال أبو حنيفة رحمه الله: تقبل هذه الشهادة ويقضي على القاذف بالحد، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا تقبل هذه الشهادة، فوجه قولهما: أن المشهود به إن كان متَّحداً باعتبار الإعادة والتكرار لأن المشهود به كلام، والكلام مما يعاد ويكرر، ويكون الثاني غير الأول فهو مختلف من حيث الحقيقة، لأن تكلمه بالقذف يوم الجمعة غير تكلمه بالقذف يوم السبت حقيقة، فباعتبار الحقيقة تثبت شبهة البينة في المشهود به، والشبهة في باب الحد كالحقيقة.
والدليل عليه أنه لو شهد أحدهما بالقذف بالعربية، وشهد الآخر بالقذف بالفارسية لا تقبل الشهادة وإن اتحد المشهود به من حيث المعنى باعتبار الإعادة والتكرار في الكلام، لأن الكلام قد يكون بلغتين (١٤٧ب٤) مختلفتين ويراد بالثاني عين الأول إلا أنهما اختلفا من حيث الحقيقة، فتثبت شبهة البينة باعتبار الحقيقة، والدليل عليه أنه إذا شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالإنشاء لا تقبل الشهادة، وإن اتحد المشهود به باعتبار المعنى كذا ههنا، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: بأن في حد القذف حق الله تعالى، وحق العبد، وشبهة البينة لا تمنع القضاء بما هو خالص حق العبد متى يثبت الاتحاد من حيث المعنى، كما في الطلاق والعتاق والبيع ويمنع القضاء بما هو خالص حق الله تعالى من الحدود، فيوفر على الشبهين حظهما، فنقول: متى ثبت الاتحاد في المشهود به من وجهين وثبتت البينة من وجه واحد، فإنه يجب القضاء عملاً بحق العبد، ومتى ثبتت البينة في المشهود به من وجهين، وثبت الاتحاد من وجه واحد، فإنه لا يجب القضاء عملاً بحق الله تعالى، وفيما تنازعنا فيه الاتحاد في المشهود به ثابت، من وجهين من حيث المعنى باعتبار الإعادة والتكرار باعتبار اللفظ والصيغة، وهو كلمة القذف، فانه قال في الوقتين جميعاً: يا زاني وإنها تثبت البينة من وجه واحد من حيث الحقيقة، فإن تكلمه يوم الجمعة بهذه الكلمة غير تكلمه بها يوم السبت، وبثبوت البينة من وجه لا يمنع القضاء لما فيه من حق العبد، فأما في الفارسية غير تكلمه بالعربية، فإنما ثبت الاتحاد من وجه واحد باعتبار الإعادة والتكرار، فيرجح جانب البينة فامتنع القضاء بحق الله تعالى؛ لأن معظم الحق في هذا الحد لله تعالى، فكذلك في الإنشاء والإقرار البينة تثبت من وجهين: من