للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبع، وشهد الآخر أن المولى قال له: اشتر الطعام وبع، تقبل الشهادة لأنهما اتفقا على ما يوجب الإذن وهو قول المولى: اشتر وبع، واختلفا فيما لا يحتاج إليه لصحة الإذن فيثبت بشهادتهما ما اتفقا عليه.

يوضحه: وهو أن قوله: اشتر البّر وبع، إذن في جميع التجارات، فكل واحد منهما كان شاهداً بالإذن في عموم التجارات معنى، فتثبت الموافقة بينهما، ولو شهد أحدهما أنه أذن له في شراء البر، وشهد الآخر أنه رآه يبيع ويشتري فسكت لا تقبل شهادتهما؛ فلا يثبت الإذن؛ لأنهما شهدا بأمرين مختلفين، شهد أحدهما على القول، وشهد الآخر على الفعل، ولو شهد أحدهما أن المولى رآه يشتري البر ويبيع ولم ينهه عن ذلك، وشهد الآخر أنه رآه يشتري الطعام ولم ينهه عن ذلك، لا تقبل الشهادة، واختلفت عبارة المشايخ في تخريج المسألة، فعبارة بعضهم أن كل واحد منهما شهد بفعل غير الفعل الذي شهد به صاحبه، ولم يثبت كل واحد منهما لعدم الحجة فلا يثبت الإذن بخلاف ما إذا شهد أحدهما أنه أذن له في شراء البر وشهد الآخر أنه أذن له في شراء الطعام؛ لأن هناك انعقد على شيء واحد وهو قول المولى: اشتر وبع، وعبارة بعضهم أن الإذن هنا إنما يثبت بالرؤية وترك النهي، والرؤية لا تتحقق بدون المرئي ولم يكن إثبات المرئي هنا؛ لأن المرئي شراء البر وشراء الطعام، وليس على كل واحد من الشرائين إلا شاهد واحد، وإذا لم يمكن إثبات المرئي وهو الشراء لم يثبت الإذن بخلاف تلك المسألة؛ لأن هناك الإذن يثبت بقول المولى: أذنت له أو بقوله: اشتر وبع وقد أمكن إثبات ذلك؛ لأن الشاهدين اتفقا عليه.

قال في كتاب السرقة: إذا شهد شاهدان على رجل بسرقة بقرة، واختلفا في لونها، فقال أحدهما: هي بيضاء وقال الآخر: هي سوداء، قال أبو حنيفة رحمه الله: تقبل شهادتهما، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا تقبل شهادتهما، وذكر الكرخي في كتابه هذا الاختلاف في لونين متشابهين كالحمرة والصفرة، وفي لونين لا يتشابهان، ذكر أن الشهادة لا تقبل إجماعاً، والأصح أن الخلاف في كل واحد.

فوجه قولهما: أن المشهود به قد اختلف من حيث الحقيقة على وجه لا يمكن التوفيق، فلاتقبل الشهادة، كما لو شهد أحدهما أنه سرق بقرة وشهد الآخر أنه سرق ثوراً أو شهد أنه سرق بقرة وشهد الآخر أنه سرق حماراً، والدليل عليه إذا شهدا بالغصب واختلفا في لون البقرة فإنه لا تقبل الشهادة، مع أن الدعوى هناك في الضمان، والضمان لا يندرئ بالشبهات؛ فلأن لا تقبل الشهادة على السرقة، وقد تعلق بها ما يندرئ بالشبهات أولى.

وأبو حنيفة رحمه الله يقول: اختلفا فيما لم يكلفا نقله؛ لأن بيان لون البقرة ههنا ليس من صلب الشهادة حتى لو سكتا عن بيانه فالقاضي لا يكلفهما ذلك ويقضي بشهادتهما، والتوفيق ممكن هنا بأن كان إحدى شقيها بيضاء والأخرى سوداء قلنا: والاختلاف فيما لم يكلف الشاهد نقله إذا أمكن التوفيق لا يمنع قبول الشهادة، فإن قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>