التوفيق على هذا الوجه غير ممكن، لأن تلك البقرة تسمى بلقاء ولا تسمى سوداء ولا بيضاء، قلنا تلك البقرة إنما سمي في حق من يعرف قيام كلا اللونين، أما في حق من لم يعرف إلا قيام لون واحد فهو على ذلك اللون عنده، وتسميتها بذلك اللون، وشهود السرقة لا يمكنهم (١٤٨أ٤) أن يقربوا من السارق ليتأملوا كل جانب من البقرة، إنما ينظرون من بعيد فلا يمكنهم الوقوف على قيام اللونين بخلاف الغصب، لأن الغصب يقع جهاراً، فيمكن للشاهد أن يقرب من الغاصب فيتأمل جميع ألوان المغصوب، فلا يشتغل بالتوفيق في حقه، وبخلاف ما إذا اختلفا في البقرة والحمار؛ لأن ذلك اختلاف فيما كلفا نقله، وبخلاف الاختلاف في صفة الذكورة والأنوثة، لأن التوفيق هناك غير ممكن لأن الحيوان لا يجتمع فيه صفة الذكورة والأنوثة، وشيء من صفات العين لا تدل على ذلك حتى يصح الاستدلال عليه من بعيد فلا يحل له البيان، فالاشتعال بالبيان يدل على أنه قرب من البقرة، وعند القرب لا يقع الاشتباه فلا يشتغل بالتوفيق.
فإن قيل: الاشتغال بالتوفيق بين كلام الشاهدين احتيال لإيجاب الحد وهو القطع، والحد مما يحتال لدرئه.
قلنا: الشهادة حجة من حجج الشرع والأصل في حجج الشرع قبولها لا ردها، فالاشتغال بالتوفيق لصيانة الحجة عن الإبطال لا لإيجاب الحد، ثم إذا وقعنا وقبلت الشهادة يجب الحد ضرورة لا قصداً.
ولو شهدا على رجل بسرقة ثوب وقال أحدهما: إنه هروي، وقال الآخر: إنه مَرَوي، ففيه اختلاف النسخ، ففي نسخ أبي سليمان ذكر هذه على الخلاف الذي ذكرنا في البقرة، وفي نسخ أبي حفص ذكر أن الشهادة لا تقبل عندهم، وأبو حنيفة يحتاج إلى الفرق بين المسألتين على ما ذكر في نسخ أبي حفص.
والفرق: وهو الهروي والمروي جنسان مختلفان، والشهود كلفوا قبل بيان الجنس، فقد اختلفوا فيما كلفوا نقله، فلا تقبل شهادتهم، فأما لم يكلفوا نقل لون البقرة فذاك اختلاف فيما لم يكلفوا نقله.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله: إذا شهد شاهد على رجل أنه أقر أن لهذا المدعي عليه ألف درهم من قرض، وشهد الآخر أنه أقر أن هذا المدعي أودعه ألف درهم، قال: هذا جائز، ومعنى المسألة أن المدعي يدعي عليه ألف درهم ديناً مطلقاً من غير أن يتعرض بسبب، فأما إذا ادعى أحد السببين فقد كذب أحد شاهديه، فلا تقبل شهادتهما، ودلت هذه المسألة أن المدعي إذا ادعى الدين مطلقاً وشهد له الشهود بالسبب أن الشهادة تقبل، فرق بين هذه المسألة وبينما إذا لم يشهد الشهود على إقراره، ولكن شهد أحدهما أن لهذا المدعي عليه ألف درهم من قرض، وشهد الآخر أن لهذا المدعي عنده ألف درهم وديعة أنه لا تقبل شهادتهما.t
ووجه الفرق: أن الشهادة على الإقرار إذا قبلت صار المشهود به كالمعاين، فصار كأنه أقر، ثم في الإقرار الاختلاف في السبب لا يمنع وجوب المال حتى إذا قال المقر: