إن له علي ألف درهم من قرض، وقال الطالب: لا، بل من بيع لا يكون هذا الاختلاف مانعاً من وجوب المال، ولم يكن ذلك تكذيباً للمقر، فأما اختلاف السبب في الشهادة مانع قبول الشهادة.
والفرق: أن الشهادة لا تكون ملزمة بنفسها فلا تكون لها صحة إلا عند اتصال القضاء بها، فلابد للقضاء بالمال من سبب، لأن الحكم لا يمكن إثباته إلا بسبب، ومع اختلافهما في السبب لا يمكن القضاء به، فأما الإقرار حجة ملزمة فلا حاجة فيه إلى إثبات السبب إنما الحاجة إلى إثبات الحكم، وقد ثبت الحكم بشهادتهما على الإقرار به فقد حصل المقصود فلا يلتفت إلى السبب بعد ذلك.
قال: ألا ترى أن أحدهما لو شهد أن الكساء الذي عليه للمدعي اغتصبه منه، وشهد الآخر أنه أقر أنه أودعه إياه والمدعى عليه يجحد أن الكساء للمدعي يقضي به للمدعي؛ لأن المقصود إثبات ذلك الكساء للمدعي، وقد ثبت ذلك بشهادتهما فاختلافهما فيما سوى ذلك لا يضره.
قال في كتاب الإجارات: رجل ادعى على رجل أنه أجر عبده، وجحد رب العبد، فأقام المستأجر شاهدين شهد أحدهما أنه استأجره بخمسة، وهو يدعي أربعة أو خمسة، وشهد الآخر أنه استأجره بستة، فالشهادة باطلة إن ادعى أربعة، فلأنه كذب شاهديه، وإن ادعى خمسة فلأنه كذب أحد شاهديه، وهو الذي شهد بستة؛ ولأن حاجتهما إلى إثبات عقد الإجارة، وعقد الإجارة بخمسة غير عقد الإجارة بستة؛ لأن الأجر بدل عن المنفعة كالثمن في البياعات، وكما أن البيع يختلف باختلاف الثمن، فكذلك الإجارة تختلف باختلاف الأجر فاختلف المشهود به، وقد بينا أن اختلاف الشهود يمنع قبول الشهادة.
فإن ادعى المستأجر أنه يكاري دابة إلى بغداد بعشرة ليركبها ويحمل عليها، وأقام شاهدين شهد أحدهما: أنه تكاراها ليركبها بعشرة، وشهد الآخر أنه تكاراها ليركبها ويحمل عليها هذا المتاع المعروف بعشرة فالشهادة باطلة، لأن في شهادة أحدهما أن العشرة جميع بدل منفعة الركوب، وفي شهادة الآخر أن بعض العشرة بمقابلة منفعة الركوب؛ لأنه قابل العشرة بالركوب وحمل المتاع، فتوزع عليهما فاختلف شهادتهما في أجر الركوب، وقد ذكرنا أن اختلاف الشاهدين في الأجر يمنع قبول شهادتهما.
ولو شهد أحدهما أنه تكارى دابة بعينها بأجر مسمى إلى بغداد، وشهد الآخر أنه تكاراها ليحمل عليها حمولة معروفة إلى بغداد بعشرة دراهم، لا تقبل هذه الشهادة سواء ادعاها المستأجر أو رب الدابة، لأنه إذا لم يبين أحد الشاهدين أنه يركبها أو يحمل عليها، كانت هذه شهادة بإجارة فاسدة، لأنه إذا لم يبين جنس المعقود عليه فمنفعة الركوب غير منفعة الحمل، والضرر الذي يلحق الدابة يختلف، وجهالة المعقود عليه يوجب فساد الإجارة، وكذلك إذا شهد أحدهما أنه تكاراها ليركبها، وشهد الآخر أنه تكاراها ليحمل عليها، لأنهما اختلفا في المعقود عليه، واختلاف المعقود عليه يوجب اختلافاً في العقد، فيكون هذا اختلافاً في المشهود به، فلو ادعى أنه سلم ثوباً إلى صباغ