للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيداع يتحقق بدون أخذه على ما مر، فلم يقع الاتفاق منهما على شيء فلا تقبل شهادتهما.

وجه الرواية التي قال فيها: تقبل هذه الشهادة على الرد أن الأخذ بهذه الشهادة إن لم يثبت، فقد ثبت وصول العين إلى المدعى عليه من يد المدعي، وهذا القدر كاف للقضاء بالرد على المدعي، وإن لم يكن في المسألة روايتان فوجه الفرق بينهما، وبيان جهة التوفيق: أن موضوع مسألة الثوب: أن المدعي ادعى الإيداع، ودعوى الإيداع دعوى فعل نفسه فليس فيه دعوى الأخذ على المدعى عليه، فلا يمكن القضاء بالأخذ على المدعى عليه، إذ لا دعوى فيه.

موضوع مسألة العبد، أن المدعي ادعى الأخذ على المدعى عليه فكان مدعياً الفعل عليه فليس في شهادة الإيداع ما ينافيه، وقد اتفقا على وصول العين إلى المدعى عليه من جهة المدعي فيمكن القضاء بها، يوضحه: أن الشهادة على الإيداع شهادة على وصول العين إلى يده فحسب من غير أن يكون منه فعل في العين يكون ذلك الفعل سبباً لوجوب الضمان عليه، ومتى ادعى الأخذ فقد ادعى وصوله الى يده بفعل ذلك الفعل سبباً لوجوب الضمان عليه، فكانت هذه شهادة بأقل مما ادعاه المدعي، فقبلت، فأما إذا ادعى الإيداع فهو لم يدع على المدعى عليه إلا مجرد وصول العبد إليه من غير أن يدعي عليه فعلاً، كان سبباً لوجوب الضمان، فإذا شهد على الإقرار بالأخذ، والأخذ سبب لوجوب الضمان، كانت هذه الشهادة بأفضل مما ادعاه المدعي، فلا تقبل، ولو شهد شاهد أن صاحب (١٤٩أ٤) اليد أقر أنه لهذا المدعي، وشهد آخر أنه أقر أن المدعي أودعه منه تقبل هذه الشهادة، وقضى بالعين للمدعي، لما ذكرنا: أن الإقرار بالإيداع إقرار بالملك للمودع، فالشاهدان اتفقا على الإقرار بالملك للمدعي فتقبل شهادتهما.

ولو أن رجلاً ادعى على رجل أنه قتل وليَّه عمداً وجاء بشاهدين، شهد أحدهما أنه قتله عمداً بالسيف، وشهد الآخر أنه قتله عمداً بالسكين لا تقبل هذه الشهادة؛ لأنهما اختلفا في آلة القتل وقد مرت هذه المسألة من قبل، وإنما أعادها ليذكر الفرق بينه، وبينما إذا شهد أحدهما على إقراره أنه قتله عمداً بالسكين، فقال ولي القتيل: أنه أقر بما قال، ولكنه والله ما قتله إلا بالسيف، أو قال: صدقا جميعاً لكنه والله ما قتله إلا بالرمح فهذا كله سواء، ويقتص من القاتل.

والفرق من وجهين: أحدهما: أن في تلك المسألة: القاضي إنما يقضي بوجوب القصاص إذا ثبت القتل عنده، ولم يثبت القتل بهذه الشهادة لأن باختلاف الآلة يختلف القتل، فلا يقع الاتفاق على قتل واحد، فلا يمكن القضاء بشهادتهما، أما في هذه المسألة: القاضي إنما يقضي بوجوب القصاص بناء على إقراره بوجوب القصاص، والشاهدان مع اختلافهما في الآلة اتفقا على إقراره بوجوب القصاص عليه فلهذا اقتص منه، ولأن الدعوى في حقوق العباد شرط قبول البينة في تلك المسألة، لابد وأن يدعي المدعي القتل بإحدى الآلتين إذ لا يمكنه القتل بكلا الآلتين، لأن في دعواه ذلك تكذيب

<<  <  ج: ص:  >  >>