المدعى عليه، فالقاضي لا يقبل هذه الشهادة إلا أن يأتي شاهد آخر يشهد على الهبة أو على الصدقة، بخلاف ما تقدم.
والفرق أن (١٤٩ب٤) صاحب اليد ههنا أقر بالملك للمدعي في العبد، وادعى تلقي الملك فيه من المدعي فلابد لذلك من سبب، والسبب أحد العقدين إذ لا يجوز أن يتملك كل العبد من شخص واحد في حالة واحدة، كله بالهبة، وكله بالصدقة، فلابد من أن يدعي أحدهما، ومتى ادعى أحدهما يصير مكذباً شاهده الآخر، فلا يبقى له على ما ادعى إلا شاهد واحد.
أما فيما تقدم فالمدعي لا يدعي تلقي الملك من جهة ذي اليد حتى يحتاج إلى إثبات سبب الملك، وإنما ادعى أن العبد ملكه من الأصل، ولم يكن محتاجاً إلى إثبات سبب الملك، بل حاجته إلى إقرار ذي اليد أن العبد ملكه وقد ثبت ذلك من الوجه الذي بينا، وهذا بخلاف ما لو شهد أحدهما أن المدعي أقر أنه وهبه للذي في يديه وقبضه؛ لأنهما اتفقا على الإقرار بالهبة، وإنما اختلفا في اللفظ، وهذا لأن النحلى والعمرى والهبة من أسماء الهبة، يقال: نحله كذا وعمره كذا، ووهبه كذا، والاختلاف في اللفظ لا يمنع قبول الشهادة بعد الاتفاق على المعنى كما لو شهد أحدهما بالنكاح والآخر بالتزويج بخلاف الهبة والصدقة؛ لأنهما يختلفان لفظاً ومعنى، أما لفظاً: فلا شك؛ وأما معنى: فلأن الصدقة يراد بها وجه الله تعالى ولا رجوع فيها، والهبة يراد بها وجه العبد وفيها رجوع، وكانا مختلفين لفظاً ومعنى وليس على أحدهما شهادة شاهدين.
وزعم بعض مشايخنا أن الاختلاف بين الهبة والصدقة من حيث أن في الهبة رجوع ولا رجوع في الصدقة وليس كما ظنوا، ألا ترى أنه لو شهد أحدهما بالهبة من فقير أو من ذي رحم محرم وشهد الآخر بالصدقة لا تقبل الشهادة ولا رجوع له، وإنما الاختلاف من حيث الذات، فذات الهبة غير ذات الصدقة.
وكذلك إذا شهد أحدهما أنه باعه من الذي هو في يديه وقبض الثمن، وشهد الآخر على أنه وهبه من الذي في يديه لا تقبل شهادتهما؛ لاختلاف ظاهر بين البيع والهبة.
وكذلك لو شهد أحدهما أنه باعه وشهد الآخر أنه باعه بمئة دينار وقبض الثمن لا تقبل شهادتهما، لأن البيع يختلف باختلاف الثمن فيختلف المشهود به وكذلك إن كانت الشهادة على الإقرار بالبيع كما وصفنا؛ لأنهما لم يجتمعا على بيع واحد، ولو كان صاحب اليد ادعى أنه اشتراه من المدعي بألف درهم وقبض الثمن وجاء بشاهدين شهدا على البيع وقبض الثمن، إلا أنهما لم يبينا مقدار الثمن، فالقاضي يقبل هذه الشهادة؛ لأنهما اتفقا على البيع وقبض الثمن كما ادعاه المدعي وسكوتهما عن بيان مقدار الثمن احتمل الموافقة، لجواز أنهما لو استفسرا هنا الثمن ألفاً كما ادعاه المدعي، ويحتمل أنهما هنا بخلاف ذلك، فلا تثبت المخالفة فيما اتفقا عليه لتوهم الخلاف.
وكذلك لو شهدا على إقرار المدعي بالبيع وقبض الثمن ولم يبينا مقدار الثمن وذو اليد يقول اشتريته بألف درهم ونقدت الثمن، فالقاضي يقبل الشهادة، وهذا بخلاف ما لو