للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهدا على قبض الثمن فإنه لا تقبل شهادتهما، لأن الثمن إذا كان مقبوضاً فلا حاجة إلى القضاء بالثمن، لأنه وقع الفراغ منه، إنما الحاجة إلى إثبات الملك في المبيع فحسب، وأمكن القضاء بالملك في المبيع، لاتفاق الشاهدين على ذلك، فأما إذا لم يكن الثمن مقبوضاً فكما مست الحاجة إلى القضاء بالملك مست الحاجة إلى القضاء بالثمن وتعذر القضاء بالثمن لجهالته.

يوضح ما ذكرنا أن الشهادة على البيع وقبض الثمن شهادة بالملك المطلق للمدعي، لا أنه شهادة بالعقد، ألا ترى أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه باع عبده بخمسمئة درهم من فلان، وقبض الثمن فقضى القاضي بالملك للمدعي ثم رجعا عن شهادتهما، وقيمة العبد ألف درهم أنهما يضمنان قيمة العبد دون الثمن، ولو حصل القضاء بزوال الملك عن العبد بالثمن لضمنا الثمن فعرفت أن القضاء بزوال الملك غير مقابل بالثمن حتى يضمنا قيمة العبد الذي تلف بشهادتهما، وإذا كان هكذا لم يصر الثمن مشهوداً به عند الشهادة بقبض الثمن فلا يمتنع القبول بترك بيان الثمن، فأما الشهادة على البيع بدون قبض الثمن شهادة بالعقد بدليل عكس ما ذكرنا، وتعذر القضاء بالعقد لكون الثمن مجهولاً؛ ولأن الجهالة إنما تمنع جواز البيع باعتبار أنها مانعة من التسليم والتسلم، وإذا كان الثمن مقبوضاً فلا حاجة إلى التسليم والتسلم، لأنه وقع الفراغ عنه فلا يمتنع القاضي من القضاء به، وإن بين أحدهما الثمن وهو ألف كما ادعاه المدعي وسكت الآخر عن بيان الثمن، ولكن كل واحد منهما شهد بقبض الثمن قبلت شهادتهما، لأنهما اتفقا على البيع وقبض الثمن وسكوت من سكت عن بيان الثمن يحتمل الموافقة لجواز أنه لو استفسر لبين أن الثمن ألف واحتمل المخالفة فلا تثبت المخالفة فيما اتفقا عليه لتوهم الخلاف، وإن لم يبين المدعي مقدار الثمن، وإنما ادعى البيع وقبض البائع الثمن، وشهدا على الشراء بألف، وذكرا قبض الثمن قبل القاضي شهادتهما، لأن الثمن إذا كان مقبوضاً فالشهادة لا تقع بالثمن وكذا القضاء لا يقع بالثمن فكان ذكره والسكوت عنه سواء، فقد اتفقت الدعوى والشهادة والمخالفة موهوم، فإن المدعي لو استفسر ربما بين أن الثمن ألف كما شهد به الشهود، فلا تبطل شهادتهما بألف درهم، وإن بين أحدهما أن الثمن ألف درهم وبين الآخر أن الثمن مئة دينار لا تقبل شهادتهما، وإن شهدا بقبض الثمن؛ لأنه لابد وأن يدعي أحد العقدين،

وعند ذلك يصير مكذباً شاهده الآخر.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله في رجل ادعى داراً في يدي رجل وجاء بشاهدين شهد أحدهما أنها دار المدعي وشهد الآخر على إقرار صاحب اليد إنها للمدعي فالشهادة مختلفة.

بيانه أن أحدهما شهد للمدعي بالملك وأنه ليس بقول، والآخر شهد على إقرار المدعى عليه بالملك للمدعي والإقرار قول، فاختلف المشهود به من حيث الصورة، وكذلك من حيث المعنى، لأن الإقرار حجة الملك على المدعى عليه وهو المقر لا أن يكون نفس الملك، ولم يقم على الإقرار حجة حتى صار كالمعاين، فيقضي به ولم يقم على الملك شاهدان حتى يمكن القضاء بالملك للمدعي بشهادتهما، فتعذر

<<  <  ج: ص:  >  >>