القضاء بشهادتهما فلا يقض بهما، فرق بين هذا وبينما إذا شهد أحدهما للمدعي على المدعى عليه بألف وشهد الآخر على إقرار المدعي عليه بالألف قال: هذا جائز لأنه إقرار كله، وهكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله ذكر.
الناطفي رواية أبي يوسف في «واقعاته» فقد فرق بينهما وأشار إلى الفرق أن شهادة الشاهد بالملك المطلق يعتمد دليلاً يطلق له أداء الشهادة بالملك المطلق، ولا دليل عليه سوى اليد، فالذي شهد بالملك للمدعي شهد على يد المدعي من حيث الحقيقة، والآخر شهد على إقرار المدعى عليه بالملك فاختلف المشهود به، فلا يمكن القضاء بشهادتهما، وللشهادة على وجوب الدين على المدعى عليه مطلقاً من غير أن يعرف سبب وجوبه يعتمد دليلاً يطلق له ذلك، وذلك الدليل ليس إلا هو الإقرار، فهو الحجة لوجوب الدين عليه مطلقاً كما أقر به، فأما ما سواه من الأدلة فذلك يسير إلى سبب وجوب الدين فلم يكن ديناً مطلقاً خالياً عن السبب، فالذي شهد بالدين للمدعي مطلقاً شهد على إقرار المطلوب بهذا الدين معنى ولو شهد به صريحاً حصلت الموافقة بين الشاهدين في شهادتهما كذلك.
هذا وفي غصب «الأصل» : إذا شهد أحد الشاهدين أن قيمة الثوب المغصوب المستهلك كذا وشهد الآخر على إقرار الغاصب أن قيمته كذا لا تقبل شهادتهما.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : إذا ادعى الرجل داراً في يد غيره وأقام شاهدين شهد أحدهما أنها داره ورثها من أبيه، وشهد الآخر أنها داره ورثها من أمه فالشهادة باطلة، لأنهما اختلفا في سبب الملك، والأملاك تختلف (١٥٠أ٤) باختلاف أسبابها، واختلاف المشهود به يمنع قبول الشهادة فرق بين هذا وبين الإقرار، فإنه إذا أقر أن هذه الدار له ورثها من أبيه فقال المقر له: لا بل ورثتها من أمي، كان للمقر له أن يأخذ الدار من المقر، وإن اختلفا في السبب والفرق أن الإقرار حجة تلزمه بنفسه، لو بطل حكمه إنما يبطل بتكذيب المقر له، وإنه لم يكذبه في أصل الملك فثبت أقصى ما في الباب أنه كذبه في السبب، ولكن لا حاجة إلى إثبات السبب بعد ثبوت الحكم، فأما في مسألتنا فالشهادة إنما تصير حجة بقضاء القاضي وكانت حالة القضاء حال ثبوت الحكم، وثبوت الحكم لابد له من سبب ولا يمكن إثبات السببين جميعاً؛ للتنافي ولعدم الحجة عليهما، ولا إثبات أحدهما؛ لأنه لم يقم عليه حجة كاملة وفي شهادة المثنى، ولأنه لابد من الدعوى لقبول الشهادة، ولا يمكنه دعوى السببين للتنافي، ولو ادعى أحدهما كان مكذباً لشاهده الآخر فبطلت شهادته لتكذيبه، فتعذر القضاء بها.
وكذلك إذا شهد أحدهما أنه اشتراها من فلان وهو يملكها، وشهد الآخر أن فلاناً آخر وهبها له وهو يملكها وقبضها منه، فإنه لا تقبل شهادتهما لما ذكرنا، ولأنه إنما تلقى الملك من جهة الواهب أو المشتري، ما لم يثبت الملك له لا ينتقل إليه ولم يثبت، لا ملك البائع ولا ملك الواهب؛ لأنه لم يشهد على كل واحد منهما إلا شاهد واحد، وهذه العلة تصلح علة في المسألة الأولى لمنع قبول الشهادة، ثم في هذه المسألة أنه يختلف الجواب مما إذا لم يوفق المدعي، وبينما إذا وفق فقال: كنت اشتريتها من فلان كما شهد