الأول فيقبل شهادتهما، ولو شهد أحدهما ببعض ما ذكرنا، وشهد الآخر بالصدقة لم تقبل شهادتهما، لأنهما شهدا بالتمليك والهبة والصدقة مختلفة على ما مر، فاختلفت شهادتهما وثبت الاختلاف بين الدعوى والشهادة أيضاً، لأن الشاهد على الصدقة يشهد على خلاف ما ادعاه المدعي من الهبة والمخالفة بين الدعوى والشهادة ولو ادعى العطية أو الهبة أو النحلى أو الصدقة، وشهد شاهدان على الإستيفاء لا تقبل هذه الشهادة؛ لأن الهبة ليست من حكم الاستيفاء، وكذلك الاستيفاء ليس من حكم الهبة فلا يمكن القبول بتحقيق الموافقة بينهما.
ولو ادعى أنه أحل له ماله عليه فشهدا بالاستيفاء قال: الشهادة باطلة ولم يذكر أن القاضي يسأل، وذكر فيما ادعى أنه أبرأه أو أحل، له وشهد شاهدان على إقرار صاحب الحق بالاستيفاء أن القاضي يسأل الغريم عن البراءة والتحليل أنه بالاستيفاء أو بغيرها، والسؤال في دعوى البراءة في تلك المسألة متفق عليه، أما في دعوى البراءة يسأل؛ لأن الإبراء عسى يكون بطريق الاستيفاء يقال: أبرأه براءة قبض واستيفاء، فإذا احتمل الموافقة وجب السؤال وأما في دعوى الإحلال فالسؤال مختلف فيه، فمن أصحابنا من قال بأن السؤال واجب فيه أيضاً؛ لأن الإحلال يتضمن معنى الاستيفاء، لأنه متى استوفى فقد أحله منه، لأنه باشر سببه وهو الاستيفاء فاحتمل الموافقة فوجب السؤال كما في دعوى الإبراء ومنهم من فرق بينهما فقال: الإقرار بالاستيفاء له حكم الإبراء من وجه وحكم الاستيفاء من وجه، حتى أن المريض إذا أقر باستيفاء الدين من وارثه لا يصح، ولو أقر بالاستيفاء من الأجنبي صح من جميع المال، فإذا احتمل الوجهان جميعاً وجب السؤال، فأما الشهادة على نفس الاستيفاء فلا يحتمل، لأن الاستيفاء يكون بقبض الحق معاينة وأنه يخالف الإبراء، وكذا الإحلال لأنه يكون بالإسقاط، فكانت المخالفة ظاهرة فلا معنى للسؤال بل وجب رد الشهادة للمخالفة، ثم في كل موضع وجب السؤال فإن سأله فقال بالاستيفاء أمضى الشهادة، لظهور الموافقة، وإن لم يجبره بشيء لم يجبره على شيء، لأنه لا يجوز جبر المدعي على الدعوى ولم تجز شهادتهما، لأن ظاهره المخالفة وإنما ثبتت الموافقة بإخباره أنه أراد به البراءة بجهة الاستيفاء ولم يوجد فلا تقبل شهادتهما.h
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله في رجل له على رجل ألف درهم، فأقام المطلوب على الطالب شاهدين، شهد أحدهما أنه أقر أنه أبرأ فلاناً من جميع ماله عليه من حق، وشهد الآخر أنه قبض من فلان جميع ماله عليه من حق قال: لا أقبل ذلك لأنهما اختلفا؛ لأن الإبراء قول والقبض فعل، والإبراء إسقاط للحق والقبض يضاده فاختلف المشهود به ولو كان له على رجل ألف درهم وبها كفيل فجاء المطلوب بشاهدين شهد أحدهما على إقرار الطالب أنه قبضها من الكفيل لم أقبل ذلك؛ لأن القبض من الكفيل غير القبض من الأصيل فاختلف المشهود به.
ولو كان له على رجل ألف درهم، فادعى المطلوب أن الطالب أبرأه منها وجاء بشاهدين شهد أحدهما على الإبراء والآخر على إقرار الطالب أنه قبض منه جميع ماله