للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، لا تقبل شهادتهما، لأن المشهود به مختلف؛ لأن الإبراء قول والقبض فعل، ولم يقل بأن القاضي يسأل شاهد الإبراء أن الإبراء أكان بالاستيفاء أو بالإسقاط، وقال في المديون إذا ادعى الإبراء على الطالب وشهد له شاهدان على إقرار الطالب بالاستيفاء أن القاضي يسأل المدعي عن البراءة أنها كانت بالاستيفاء أو بغيره.

والفرق وهو أن دعوى البراءة تحتمل دعوى الإيفاء على ما ذكرنا، وعلى اعتبار دعواه الإبراء ألا يتحقق الموافقة بين الدعوى وبين الشهادة ويجب قبول الشهادة، وعلى اعتبار دعواه الإبراء لا يتحقق الموافقة ولا يجب قبول الشهادة، فكان السؤال مقيداً، أما هنا فالسؤال لا يفيد لأنه لا قبول لهذه الشهادة على كل حال أراد شاهد البراءة البراءة بالإبراء أو بالاستيفاء إن أراد البراءة بالإبراء فظاهر وإن أراد البراءة بالاستيفاء؛ فلأن الاستيفاء فعل وأحدهما شهد بالفعل، والآخر شهد بالإقرار بالقبض، وإنه قول فيختلف المشهود به فلا قبول لهذه الشهادة على كل حال، فلم يكن السؤال مفيداً.

قال: ولو شهد أحدهما على إقرار الطالب أنه وهب له الألف، وشهد الآخر أنه أبرأه من جميع ماله عليه لا تقبل الشهادة، وفرق بين هذا وبين ما إذا ادعى المديون الإبراء على الطالب، فشهد له شاهد بالهبة، وشاهد بالإبراء، حيث تقبل شهادتهما.

والفرق أن هناك المشهود به نفس الإبراء والهبة، وهما متفقان في المعنى؛ لأن الهبة إذا أضيفت إلى الدين تفيد البراءة، وأحدهما شهد على الحكم وهو البراءة والآخر شهد على البراءة بسبب وهو الهبة، وقد ذكرنا غير مرة أن العبرة في مثل هذا لاتحاد المعنى لا لاختلاف اللفظ، أما في مسألتنا فالمشهود به الإقرار، وإنه حكاه عن لفظ الطالب، وقد اختلف اللفظ واختلف المشهود به، ألا ترى أنه لو شهد أحد الشاهدين بالتخلية والآخر بالتبرئة لا تقبل الشهادة، لأنه حكاية عن اللفظ المطلق، وقد اختلف اللفظ فقد اختلف المشهود به.

ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه اشترى منه بالألف عبداً وشهد الآخر أنه أبرأه من جميع ماله عليه والمطلوب يقول (١٥١أ٤) أقر عندهما كذلك، ويدعي البراءة لا تقبل شهادتهما، لأنهما اختلفا في سبب البراءة، فأحدهما يشهد بالبراءة بالمقاصة التي هي بمعنى الاستيفاء، والآخر يشهد بالبراءة بالإبراء الذي هو إسقاط.

وفي «نوادر ابن سماعة» : عن محمد في رجلين شهدا على وصية رجل، فشهد أحدهما أنه قال: جميع مالي لفلان بعد موتي، وشهد الآخر أنه قال: جميع مالي صدقة على فلان بعد موتي، وذلك في مجلس أو في مجلسين فالشهادة جائزة، فرق بين هذا وبينما إذا شهد أحدهما بالهبة والآخر بالصدقة في حالة الحياة، حيث لا تقبل شهادتهما، واعتبر المشهود به مختلفاً لمكان الاختلاف الذي بين الهبة والصدقة، ولم يوجب هذا اختلاف المشهود به، وإن شهد أحدهما بالصدقة.

والفرق: أن في تلك المسألة اختلفا في سبب الملك لما ذكرنا من المغايرة بين الهبة والصدقة، فلابد من أن يصدق المدعي أحدهما لأنه لابد من دعوى سبب لإثبات

<<  <  ج: ص:  >  >>