الرواية إلا أن لا يوقتوا فكلمة إلا ساقطة، ومعناه: فلا تبطل الشهادة إن لا يوقتوا، فيكون بياناً أن ترك التوقيت لا يمنع سماع البينة، لأنه ليس فيه إلا السكوت، والسكوت وإن كان يحتمل التناقض، ولكن قد ذكرنا أن احتمال التناقض لا يمنع قبول البينة لاحتمال الشك فيه.
ولو أقر عند القاضي أن هذا العبد لفلان لا حق له فيه أو قال: كان العبد لفلان عام أول وأنه لم يكن له فيه حق يومئذ ولا دعوى، أو قال: كنت أقررت عام أول أن هذا العبد لفلان لا حق لي فيه، أو قال: لا حق لي فيه، ولم يقل: إنه لفلان ثم أقام البينة أنه اشتراه منه بألف درهم، فإن القاضي يسأل الشهود متى كان الشراء؟ فإن وقتوا للشراء وقتاً بعد الإقرار قبلت شهادتهم، وإن وقتوا وقتاً قبل الإقرار أو قالوا: لا ندري متى كان الشراء لا تقبل شهادتهم، فرق بين هذا وبينما إذا قال: هذا العبد لفلان ولم يقل: لا حق لي فيه ثم أقام البينة بعد شهر على الشراء أنه تقبل البينة وإن لم يوقت الشهود للشراء وقتاً.
والفرق: أن قوله هذا العبد لفلان، إخبار عن ملك المقر له في الحال، وقوله: لا حق لي فيه، نفي الملك لنفسه أصلاً فكان محكماً في إسقاط حقه في الدعوى، فلا تسمع دعواه وبينته، إلا إذا وقت وقتاً بعد الإقرار حتى لا يؤدي إلى ارتفاع المضادة والتنافي بالاحتمال، وفي تلك المسألة ما نص على إسقاط حقه، والتناقض عارض، فلا يثبت بالاحتمال.
ولو أن رجلاً كتب لرجل: إني كنت ادعيت عليك ديوناً وبيوعاً وأشياء أخر ادعيتها عليك، وأقررت أنه لا حق لي قبلك ولا دعوى من شراء ولا غير ذلك، ثم أقام البينة على عبد المكتوب إليه أنه عبده اشتراه منه، أو أن له عليه ألف درهم قرض، أو أنه غصبه عبداً فإنه لا تقبل هذه البينة إلا إذا وقتوا وقتاً بعد البراءة لأنه لما نص على البراءة عام أول، فقد أسقط جميع حقه قبله في العين والدين جميعاً فيكون متناقضاً في دعواه قبله فلا تسمع دعواه ولا تقبل البينة منه حتى يزول التناقض بيقين، وذلك بأن يوقت بعد البراءة، فأما مع الاحتمال فلا يزول التناقض فلا يبطل حكم البراءة بالشك.
وكذلك قال أبو حنيفة رحمه الله: من كتب لرجل براءة ثم أقام بينة على دين لم تقبل بينته، حتى يعلم أنه بعد البراءة لأن البراءة ثبتت بيقين، فلا يبطل حكمها إلا بيقين، وهو أن يكون سبب الوجوب بعد البراءة.
قال في كتاب «الأقضية» : رجل قال: جميع ما في يدي من قليل أو كثير من عبد أو غيره لفلان، ثم مكث أياماً ثم اختلفا في عبد في يده فقال المقر: لم يكن في يدي يوم أقررت، وقال المقر له: لا بل كان في يدك، فالقول قول المقر، وفرق بينه وبين البراءة فإن فصل البراءة إذا تنازعا في عبد بعينه يجعل داخلاً في البراءة حتى يثبت بالبينة أنه استفاده بعد البراءة، وهنا لم يجعله داخلاً تحت الإقرار.
والفرق: ما أشار إليه في «الكتاب» : أنه من كان في يده شيء فهو له حتى يعلم أنه