لغيره، وبيان هذا: أن في مسألة الإقرار المتنازع فيه في يد المقر حاجتنا إلى قطع يده فإن كان في يده يوم الإقرار يجوز قطع يده وإن لم يكن لا يجوز قطع يده واحتمل أنه لم يكن في يده يوم الإقرار فلا يجوز قطع يده بالشك، وفي مسألة البراءة: المال في يد المدعى عليه واحتمل حدوث الدين فيجوز قطع يده، واحتمل البقاء فلا يجوز قطع يده بالشك، فإذاً في الفصلين لم تبطل يد صاحب المال بالشك.
وذكر في بعض روايات «المبسوط» : لو أن رجلاً قال: ما في حانوتي لفلان، ثم مكث أياماً فادعى شيئاً مما في الحانوت أنه وضعه بعد الإقرار إنه يصدق، وهذه الرواية موافقة لرواية «الأقضية» . وفي بعض روايات كتاب «الإقرار» قال: لا يصدق وهذه الرواية مخالفة لرواية «الأقضية» ، وتأويل هذه الرواية: أنه ادعى بعد الإقرار في مدة لا يمكنه إدخال ذلك الشيء في الحانوت في تلك المدة بيقين، وفي هذا التأويل يثبت كون ذلك في الحانوت وقت الإقرار بيقين، وفي مسألة «الأقضية» : لو تيقنا بكون المدعى في يد المقر وقت القرار، كان الجواب فيه كما ذكر في بعض روايات «الإقرار» أنه لا يصدق المقر والله أعلم.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : دار في يدي رجل أقام رجل بينة أنها داره وقضى القاضي له بالدار، ثم أن المقضي له أقر أنها دار فلان لا حق لي فيها وصدقه فلان في ذلك فقال المقضي عليه للمقضي له: قد أكذبت شاهديك حين أقررت أنها لفلان لا حق لك فيها، وأقررت بخطأ القاضي في قضاءه فرد الدار عليّ أو قيمتها، فالقضاء ماض ولا سبيل للمقضي عليه، لا على الدار ولا على المقر ولا على المقر له، لأن قضاء القاضي قد نفذ من حيث الظاهر، وقوله: هذه الدار لفلان لا حق لي فيها محتمل يحتمل لا حق لي فيها من الأصل وكنت مبطلاً في الدعوى، وعلى هذا التقدير يصير مقراً بخطأ القاضي ويجب نقض القضاء، ويحتمل لا حق لي فيها لأني ملكتها من المقر له بعد القضاء، وعلى هذا التقدير لا يصير مقراً بخطأ القاضي، ولا يجب نقض القضاء، فلا يجب النقض بالشك.
فإن قيل: هذا الاحتمال إن كان لا يتأتى فيما إذا أقر المقضي له بذلك بعدما غابا عن مجلس القاضي، لا يتأتى فيما إذا أقر قبل الغيبة عن مجلس القاضي، والجواب فيهما واحد.
قلنا: لا بل يتأتى قبل الغيبة أيضاً، إذ يجوز أن المقضي له قد كان باع الدار من المقر له قبل القضاء له على أنه بالخيار ثلاثة أيام حتى لم تزل الدار عن ملكه لما أن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه ثم إن المقضي عليه استولى على الدار وغصبها منه، فأقام صاحب الدار بينة قبل مضي الخيار أن الدار له، ثم لما قضى القاضي له بالدار يقضي مدة الخيار عقيبه، وعلى هذا التقدير كان المقضي له محقاً في دعواه أن الدار له، وكان الشهود صادقين في شهادتهم أنها للمشهود له، فكان المقر صادقاً في إقراره أنها صارت لفلان المقر له من جهته بعد القضاء؛ لأنها صارت للمقر له من جهة المقر بعد