للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفي، وقال: هذه الدار كانت للمقر إلا أنه وهبها لي وقبضتها منه بعد القضاء بالدار، يقضى بالدار للمقر له، محمول على ما إذا قال ذلك بعدما غابا عن مجلس القاضي حتى يمكن للقاضي تصديق المقر له في ذلك، فأما إذا قال ذلك في مجلس القضاء فقد علم القاضي بكذبه أنه علم أنه لم يجر بينهما هبة وقبض، والكذب لا حكم له، فينبغي أن لا يصح إقراره في هذه الصورة.

ثم إن محمداً رحمه الله يوجب على المقر قيمة الدار للمقضي عليه، إنما أوجب؛ لأن في زعم المقر أن الدار ملك المقضي عليه وأن القاضي أخطأ في قضائه بالدار لي، وصرت غاصباً لها وقد عجزت عن الرد بإقراري بالدار للمقر له، فصرت ضامناً قيمتها، من مشايخنا من قال: هذا الجواب مستقيم على قول محمد رحمه الله، لأن غصب العقار عنده ينعقد موجباً للضمان، غير مستقيم على قول أبي حنيفة رحمه الله، لأن عنده غصب العقار لا ينعقد موجباً للضمان ومنهم من قال: لا بل هذا قول الكل؛ لأن المقر بإقراره للمقر له أتلف الملك على المقضي عليه.

وعند أبي حنيفة رحمه الله: العقار يضمن بإتلاف الملك، ألا ترى لو شهد شاهدان بدار لرجل وقضى القاضي بشهادتهما ثم رجعا عن شهادتهما، فإنهما يضمنان قيمة الدار للمشهود عليه، وإنما يضمنان بإتلاف الملك كذا ههنا.

قال: ولو قال المقضي له: هذه الدار ليست لي وإنما هي لفلان وصدقه المقر له في ذلك، فالدار للمقر له، ولا ضمان على المقر للمقضي عليه، لأن قوله: ليست (لي) نفي للملك للحال ويحتمل أنه إنما نفاها للحال عن نفسه؛ لأنه ملكها من المقر له بعد القضاء، ويحتمل أنما نفاها للحال، عن نفسه، لأن لم تكن له من الأصل، فلا يثبت إكذاب الشهود فلا ينقض القضاء بالشك، وصار الجواب في قوله: هذه الدار ليست لي إنما هي لفلان، نظير الجواب في قوله: هذه الدار لفلان لا حق لي فيها.

ولو أن القاضي لم يقض بالدار للمدعي حتى قال: هذه الدار لفلان لا حق لي فيها، أو قال: هذه الدار ليست لي إنما هي لفلان، فالقاضي لا يقضي له بالدار؛ لأن كلامه محتمل يحتمل: لاحق لي فيها ليست لي؛ لأني ملكتها من فلان، وعلى هذا التقدير يجوز له القضاء ويحتمل: لا حق لي فيها ليست لي؛ لأنها لم تكن لي من الأصل، وعلى هذا التقدير لا يجوز له القضاء، فلا يجوز له القضاء بالشك قال: إلا أن يقول المقر في هذه الصورة: هي دار فلان، بعتها منه بعد شهادة الشهود أو يقول: وهبتها منه وقبضها مني بعدما غاب عن مجلس الشهادة، قال ذلك موصولاً بكلامه، فحينئذ القاضي يقضي له بالدار؛ لأن بهذا البيان انتفى احتمال أنه ليس له من الأصل وتعين الاحتمال الآخر، وهو صيرورتها لفلان بتمليك من جهته بعد شهادة الشهود، وعلى هذا التقدير يجوز له القضاء فلهذا يقضي له بالدار، ولكن يشترط أن يكون هذا البيان موصولاً بإقرار، لأن هذا بيان معبر، لأنه لو لم يتكلم بهذا البيان لكان لا يقضى له بالدار وبهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>