للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب اليد أنه ابنه وقضى القاضي بنسبه، ثم مات الأب وقضى القاضي بالميراث لهذا الصبي، ثم رجعا عن شهادتهما؛ فإنهما لا يضمنان شيئاً لا الميراث ولا قيمته، وأما الميراث، فلأن استحقاق الميراث ههنا مضاف إلى موت الأب، وأما قيمته فلأنهم لم يتلفوا عليه ملكه الثابت فيه إذا لم يعرف أنه عبد، لأن الحرية أصل في بني آدم إلا أن يعرف خلافه ولم يعرف.

ولو كان في يدي رجل عبد صغير وأمة صغيرة لا يعيران عن أنفسهما، وصاحب اليد يدعي أنهما مملوكان له حتى ثبت كونهما مملوكين لذي اليد بقوله، ثم شهد شهود حال حياة صاحب اليد أنه أقر أن هذا الصبي ابنه، وشهد شهود آخرون أنه أعتق هذه الأمة، ثم تزوجها على ألف درهم، والرجل يجحد ذلك، فقضى القاضي بشهادتهم وألزم الرجل النكاح والنسب والعتق، ثم مات الرجل، ثم رجع الشهود عن شهادتهم فإن شهود الابن يضمنون قيمة الابن للورثة المعروفين إلا ما يخصه من الميراث، فإنهم لا يضمنون ذلك القدر وشهود عتق الأمة يضمنون قيمة الأمة للورثة المعروفين إلا ما يخصها من الميراث، وكان ينبغي أن يضمن كل فريق جميع القيمة لأن من زعم كل فريق ان المشهود ليس بوارث وأن جميع قيمته موروث للورثة المعروفين لا نصيب له من ذلك والورثة المعروفون يصدقونهم في جميع ذلك فيضمنون جميع القيمة كما أقروا، ألا ترى أنهم شهدوا بهذا بعد موت المولى والباقي بحاله فإن كل فريق يضمن جميع القيمة، وطريقة ما قلنا كذا ههنا.

قيل في الجواب عن هذا: أن ما ذكر في «الكتاب» قول أبي حنيفة رحمه الله.

ووجهه أن يقال: بأن في زعم الشهود عند الرجوع متى حصلت الشهادة منهم حال حياة المولى أن ما وجب عليهم من قيمة الابن، والأمة مورثة بين الورثة المعروفين وبينهما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه في زعمهما أن النكاح والنسب وإن لم يكن ثابتاً فقد (ثبت) بقضاء القاضي، أما النكاح فلأن القاضي يملك إنشاء النكاح بولاية القضاء من غير بينة بملك أنشأه بشهادة الزور عند أبي حنيفة إذا لم يكن أنشأه، وحال حياة الزوجين الإنشاء ممكن فيثبت النكاح بقضاء القاضي وإذا كان في زعم الشهود أن النكاح ثبت بقضاء القاضي كان في زعمهم أن بعض قيمتها ميراث لها، والبعض لباقي الورثة المعروفين، فكانوا مقرين لها ببعض القيمة غير أنها كذبتهم في الإقرار ببعض القيمة لها بتكذيبها، ورفع عنهم حصتها من قيمتها من هذا الوجه، وأما النسب فلأن القاضي إن كان لا يملك إنشاء النسب بولاية القضاء من غير شهادة بحال؛ فالخصمان يملكان إثباته، وكما يملك القاضي الإنشاء بشهادة الزور فيما يملك إنشاؤه بولاية القضاء من غير بينة، يملك الإنشاء بشهادة الزور فما يملك الخصمين إنشاءه على إحدى الروايتين.

عن أبي حنيفة فإنه يقول على إحدى الروايتين: القاضي يملك إنشاء الهبة بشهادة الزور، حتى قال: قضاءً القاضي بالهبة بشهادة الزور ينفذ ظاهراً وباطناً على هذه الرواية والقاضي لا يملك إنشاء الهبة بولاية القضاء من غير بينة، ولكن طريقه أن الخصمين

<<  <  ج: ص:  >  >>