فإن كانت الشهادة والرجوع في حال حياة المولى ضمن الشهود للمولى قيمة الولدين ونقصان الاستيلاد لما ذكرنا، فيما إذا كانت الشهادتان من فريقين، فإذا أخذ المولى ذلك واستهلكه ثم مات المولى لم يغرم الشهود شيئاً من قيمة الابنين؛ لأنهم لو غرموا للابنين، والابنان قد أبرأا الشهود عن ذلك حيث ادعيا ما شهد به الشهود، ويرجع الشهود بما ضمنوا فيما ورث الولدان عن أبيهما؛ لأنهما يصدقان الشهود في الشهادة لما ادعيا ما شهد به الشهود، فصارا مقرين بأن ما أخذ الأب من الشهود صار ديناً في تركة الأب، والدين مقدم على الميراث، ولا يضمن الشهود للأخ شيئاً مما ورثه الابنان إن كان للميت أخ، لأنهم شهدوا بالنسب حال حياة المولى.
وإن كانت الشهادة في حال حياة المولى والرجوع بعد وفاة المولى لم يغرم الشهود شيئاً للابنين ولا للأخ إن كان للميت أخ لما قلنا، وإن كانت الشهادة والرجوع بعد وفاة المولى فالشهود لا يغرمون للابن شيئاً ويغرمون للأخ إن كان للمولى أخ قيمة الجاريتين وقيمة الابنين وما ورثه الابنان، بخلاف ما إذا كانت الشهادتان من فريقين، فإن هناك لا يضمن الشهود للأخ، وإن كانت الشهادة والرجوع بعد وفاة المولى.
والفرق بين الفريقين والفريق الواحد يأتي بعد هذا كله إذا كان الولدان كثيرين والشهود فريق واحد، فأما إذا كان الشهود فريقاً واحداً والولدان صغيران وقت الشهادة ينتظر بلوغهما، فإذا بلغا فإن صدق كل واحد منهما الشهود في جميع ما شهد به الشهود فهذا وما لو كانا كبيرين وقت الشهادة وادعيا جميع ما شهد به الشهود سواء، وإن كان صدق كل واحد منهما الشهود فيما شهدوا له به وكذبهم فيما شهدا لصاحبه به فهذا، وما لو شهد لكل ابن فريق وجحد كل واحد منهما صاحبه سواء؛ لأن الشهادة ههنا لا تنتقض، وإن كذب كل واحد منهما شهوده إما لأن هذا تكذيب بعد القضاء وإنه لا يوجب بطلان القضاء والشهادة لما تبين، أو لأن هذا تكذيب فيما شهدا له، وتكذيب المشهود لا يبطل الشهادة، وإذا لم تنتقض الشهادة ههنا بهذا التكذيب صار هذا الفصل وما إذا شهد لكل فريق على حده وجحد كل واحد منهما صاحبه سواء، ولم يذكر محمد رحمه الله في الكبيرين هذا الفصل، أنه إذا كان الشهود فريقاً واحداً وصدق كل من الابنين الشهود فيما شهدوا له وكذبهم فيما شهدوا لصاحبه هل تقبل شهادتهم؟.
وحكي عن القاضي الإمام أبي الحسين بن الخضر النسفي أنه قال: لا تقبل شهادتهم، وفرق بين الكبيرين والصغيرين فإن الصغيرين إذا بلغا وصدق كل واحد منهم الشهود فيما شهدوا له دون صاحبه لا تبطل الشهادة، والفرق أن كل واحد من الابنين فسق الشهود حيث كذبهم فيما شهدوا لصاحبه، إلا أن في حق الصغيرين التفسيق كان بعد القضاء لهما بهذه الشهادة في حالة الصغر، وتفسيق المشهود له الشاهد بعد القضاء لا يوجب بطلان القضاء؛ لأن الفاسق ربما يكون صادقاً، ولهذا كان أهلاً للشهادة عندنا، فعلى اعتبار أن يكون صادقاً لا يجوز إبطال القضاء وعلى اعتبار أن يكون كاذباً يجوز