للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبطال القضاء، فلا يجوز إبطال القضاء بالشك، أما في حق الكبيرين الفسق وجد قبل القضاء وكما لا يجوز إبطال القضاء بالشك لا يجوز القضاء بالشك.

وعامة المشايخ قالوا: لا بل الجواب في حق الكبيرين والصغيرين واحد، حتى يجوز القضاء بهذه الشهادة؛ لأن كل واحد من الكبيرين وإن كذب الشهود ولكن كذبهم فيما شهدوا عليه لا فيما شهدوا له، وهذا لا يوجب خللا في الشهادة إذ المشهود عليه أبداً يكذّب الشهود فيما يشهدون.

ولهذا قلنا: إذا شهد الشهود لرجل بدين مؤجل وأنكر المشهود له الأجل تقبل الشهادة، وإن كذب شهوده في الأجل؛ لأنه كذّبهم فيما شهدوا عليه؛ لأن الأجل عليه.

وكذلك إذا شهد رجلان لزيد على عمرو بألف درهم وعمرو ينكر ذلك ثم شهدوا لعمرو على زيد بمئة دينار وزيد ينكر، فالقاضي يقضي بالشهادتين جميعاً، وقد كذب كل واحد منهما شهوده؛ لأنه كذبهم فيما شهدوا عليه صح أن الجواب في حق الكبيرين نظير الجواب في حق الصغيرين.

فإن قيل: إذا كان الولدان صغيرين ينبغي أن لا تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن هذه شهادة على النسب والحرية، والشهادةُ على حرية العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عنده، والدعوى من الصغيرين لا تتصور.

قلنا: إنما قبلت هذه الشهادة لوجود الدعوى من الصغيرين اعتباراً.

بيانه: أن كل واحد من الابنين تدعي نسب.... وحريته، وصح ذلك منها؛ لأن ما تدعي كل واحدة منهما لنفسها من أمته الولد لا يثبت إلا بعد ثبات نسب ولدها، فتقوم دعوى كل واحد منهما مقام دعوى ولدها، فهو معنى قولنا: وجد الدعوى من الصغيرين اعتباراً.

وفي «نوادر عيسى بن أبان» : رجل مات وترك أخاً لأبيه، فجاء رجل وادعى أنه أخوه لأبيه وأمه، وجاء بشاهدين شهدا أنه أخوه لأبيه وشاهدين آخرين شهدا أنه أخوه لأمه، فالقاضي يقضي بأنه أخوه لأبيه وأمه، ويعطيه كل الميراث، فإن قضى بذلك ثم رجع الشهود عن شهادتهم جملة، ضَمِن اللذان شهدا أنه أخ لأب ثلثي الميراث واللذان شهدا أنه أخ لأمه ثلث الميراث من قبل أنه قد استحق بشهادة اللذَين (شهدا) أنه أخ لأب نصف الميراث، إذ للميت أخ آخر لأب، فضمان ذلك عليهما خاصة واستحق بشهادة اللذين (شهدا) أنه أخ للأم سدس الميراث، وضمان ذلك عليهما أيضاً، والثلث الباقي لم يستحق بشهادة واحد من الفريقين دون صاحبه، فهو على الفريقين نصفين، على كل فريق نصفه وهو السدس، ولو رجع أحد الشاهدين اللذين شهدا أنه أخ لأب، وأحد الشاهدين اللذين شهدا أنه أخ لأم ضمنا النصف بينهما أثلاثاً، ولو لم يكن الأمر على ذلك ولكن شهد شاهدان أنه أخ لأب وقضى القاضي له بنصف المال ثم جاء بشاهدين آخرين شهدا

<<  <  ج: ص:  >  >>