وتسعة آلاف تمام الدية مع الألف التي ضمنها شاهدي الجناية.
والأصل في هذا أن الشاهد إنما لا يضمن عند الرجوع ما صار مستحقاً بشهادته، وجناية العبد إذا أوجبت المال فرقبته تصير مستحقة بنفس الجناية، وإن كانت لا تملكه إلا بالتسليم كأصل الدية تصير مستحقة بنفس قتل الخطأ، وإن كان لا يملك إلا بالقبض حتى لا تصح الكفالة بالدية إلا أن الشرع أثبت للمولى ولاية استصغاء الرقبة بإختيار الفداء، فيصير وجوب الفداء متعلقاً بعلة ذات وصفين: الجناية والاختيار، فإن كل واحد منهما مؤيد في الوجوب، أما الجناية فظاهر، وأما الاختيار؛ فلأن الاختيار التزام المال، والتزام عرف مؤثراً في اللزوم، فصار وجوب الفداء متعلقاً بالجناية والاختيار من هذا الوجه والاختيار أحدهما فيضاف وجوب الفداء إلى الاختيار، ورقبة العبد مستحقة بالجناية وحدها، فيضاف استحقاقها إلى الجناية لا غير، إذا ثبت هذا فنقول: شهود الجناية أثبتوا استحقاق رقبة العبد لولي الجناية بشهادتهم إذ العتق لم يكن في تلك الحالة، فصاروا متلفين رقبة العبد على المولى بشهادتهم، وذلك التلف لا يرتفع بالشهادة الثانية الناقلة إلى الدية وإن لم تبق رقبة العبد مستحقة بعد الشهادة الثانية؛ لأنه لم يسلم للمولى ما صار مستحقاً بالشهادة الأولى إلا بضمان مثله وزيادة، فيبقى التلف معنى، فيبقى عليهم ضمان ذلك الإتلاف، وأما شهود الإعتاق فقد أتلفوا على المولى الرقبة والدية؛ لأنهم شهدوا بالإعتاق، والإعتاق مزيل ملك الرقبة ويدل على اختيار الفداء، فصاروا متلفين على المولى الرقبة والدية، الآن قدر الألف من بدل النفس غرم شاهد الجناية، فلا يغرم شاهد الإعتاق من بدل النفس إلا تسعة آلاف درهم، ويغرمان أيضاً قيمة العبد ألف درهم، فيغرمان عشرة آلاف درهم من هذا الوجه.
ولو شهد شاهدان أن المولى أعتق عبده أمس، وقضى القاضي بشهادتهما وأعتق العبد، ثم شهد آخران أن العبد قتل ولي هذا أول من أمس، والمولى يعلم بذلك قضى بالدية على المولى؛ لأن الجناية إذا ثبتت والمولى عالم بها أول من أمس كان من ضرورته أن يكون الإعتاق أمس اختياراً للفداء، فإن رجع الشهود عن شهادتهم ضمن شاهدا الإعتاق قيمة العبد ألف درهم؛ لأن شاهدا الإعتاق ههنا أثبتا اختيار الفداء؛ لأن الجناية لم تكن ظاهرة وقت شهادتهما بالإعتاق؛ ليكون القضاء بالإعتاق قضاء بالدية، فصار شهود العتق متلفين على المولى قيمة العبد دون الدية، فيضمنان القيمة لا غير لهذا، بخلاف المسألة الأولى؛ لأن في المسألة الأولى الجناية كانت ظاهرة عند القاضي وقت القضاء بالعتق، فكان القضاء بالإعتاق قضاء بالفداء، ويضمن شهود الجناية عشرة آلاف درهم؛ لأنهم شهدوا بجناية معلومة قد اختار المولى فيها، فإن إعتاق العبد مع العلم بالجناية اختيار للفداء وهم شهدوا بجناية معلومة للمولى عند الإعتاق، فكانوا ملتزمين بشهادتهم إياه الدية، فلهذا ضمنوا الدية، ولو حضر الشهود جميعاً عند القاضي، فشهد شهود الجناية وشهود العتق بما قلنا في المسألة الثانية، فإن العبرة بحالة القضاء لا بحال أداء الشهادة لما مر أن الشهادة إنما تصير حجة بإيصال القضاء بها، فإن زكّى شهود العتق