أولاً، فقضى القاضي به ثم زكّى شهود الجناية فهو نظير الفصل الثاني، وإن زكّى شهود الجناية أولاً فقضى القاضي ثم زكّى شهود العتق فهو نظير الفصل الأول، وإن زكّوا جميعاً ووقع القضاء بالعتق والجناية معاً، فهذا وما لو وقع القضاء بالجناية أولاً ثم بالعتق سواء، وإنما كان كذلك، لأن القاضي إنما يقضي على حسب ما شهد به الشهود والشهود شهدوا بالجناية سابقاً؛ لأن شهود الجناية شهدوا أنه حتى أول من أمس والمولى علم به، وشهود العتق شهدوا أنه أعتقه أمس، فإذا وقع القضاء بشهادتهم معاً كان القضاء واقعاً بالجناية
أولاً، ومتى كان هكذا صارت هذه المسألة وتلك المسألة سواء.
ولو شهد شاهدان على رجل أن عبده قتل فلاناً خطأ أول من أمس والمولى يعلم بذلك وقيمة العبد ألف، وشهد آخران أن المولى قال له أمس: إن دخلت الدار فأنت حر ثم شهد آخران أنه دخل الدار اليوم، وقضى القاضي بالجناية وبعتقه وبالفداء على المولى ورجع الشهود جميعاً عن شهادتهم، فشهود الجناية يضمنون ألفاً وشهود اليمين يضمنون عشرة آلاف درهم، ولا ضمان على شهود الشرط وهم شهود دخول الدار، ولو كان مكان الشهادة على تعليق العتق بدخول الدار شهادة على تعريض العتق إلى فلان بأن شهد شاهدان أنه جعل أمس أمر عبده في العتق إلى فلان يعتقه متى شاء، وإنما قيده بقوله يعتقه متى شاء، حتى لا يقتصر على المجلس، وشهد آخران أن فلاناً أعتقه اليوم وباقي المسألة بحاله كان الضمان على شهود الإعتاق لا على شهود التفويض.
والفرق: أن ضمان العتق إنما يجب على من أوجب العتق، ففي المسألة الأولى شهود اليمين هم الذين أوجبوا العتق إنما يثبت بكلمة الإعتاق إلا أن تعلق الجزاء بالشرط كان مانعاً كلمة الإعتاق، فعند زوال المانع كان العتق مضافاً إلى كلمة الإعتاق وذلك ثابت بشهود اليمين دون شهود الشرط.
وفي المسألة الثانية: شهود الإعتاق هم الذين أثبتوا كلمة الإعتاق وشهود التفويض إنما أثبتوا صيرورة المفوض إليه مالكاً أمر عبده وقيامه مقام المالك، ثم العتق من المولى لا يثبت بدون كلمة الإعتاق، فكذا ممن قام مقامه، وكلمة الإعتاق إنما تثبت بشهود الإعتاق دون شهود التفويض فلهذا افترقا.
وعن محمد رحمه الله في «الإملاء» : شاهدان شهدا على رجل أنه قتل ابن هذا الرجل عمداً وشهد هذان الشاهدان على رجل أنه قتل ابن هذا الرجل عمداً، وشهد هذان الشاهدان على هذا الرجل أيضاً: أنه قتل ابن هذا الرجل الآخر عمداً، والأبوان يدعيان ولا وارث لهذين المقتولين غير هذين الأبوين، فقضى القاضي بالقصاص وقتله الأبوان ثم رجعا عن أحد الابنين وقالا: لم يقتل ابن هذا، ضمنا نصف الدية إن شاء الشاهدان وإن شاء الأب القاتل الذي جاء ابنه حياً ولو كان المقتول ابني رجل واحد فقضى القاضي له بالقصاص وقتله الأب بابنيه، ثم رجع الشاهدان عن قتل أحد الابنين فلا ضمان عليهما؛ لأن الأب إذا كان واحداً فقتله المقتول بقصاص واحد وبقصاصين سواء، ألا ترى أن الشاهدين لو لم يرجعا عن شهادتهما ورجع أحد الابنين حياً لم يغرم الشاهدان شيئاً.