وإذا شهد شاهدان على رجل أنه سرق من عبد الله ليلة الجمعة مئة وشهدا عليه بعينه أنه سرق من عمرو ليلة السبت عشرة دنانير، وقضى القاضي عليه بالقطع وقطع يده ثم رجعا عن إحدى السرقتين، فلا ضمان عليهما؛ لأن اليد إنما قطعت بالحد فصار ذلك كأنه شيء واحد.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: رجلان شهدا على أبيهما بالقتل وقتل ثم رجع أحدهما، فعلى الراجع نصف الدية ولا ميراث للراجع في شيء من مال الأب، وإنه خلاف ظاهر الرواية؛ لأنه مسبب والمسبب لا يحرم عن الميراث، ولو شهدا على أبيهما بدين ألف درهم لرجل وقد مات أبوهما، فقضى عليه بها ومعهما أخ آخر، ثم رجع أحدهما فإن الراجع يضمن الذي لم يشهد على أبيه نصف حصته من الألف، ولا يضمن الآخر شيئاً من قبل أنه يقول له لما شهدت فقد أقررت بالدين قال: ولا نسبه، هذه الشهادة على الكل.
وفي «الجامع» شاهدان شهدا على رجل أنه قتل ولي هذا الرجل خطأ، فقضى القاضي (١٦٧ب٤) بالدية على العاقلة في ثلاث سنين وقبضها الولي ثم جاء المشهود بقتله حياً، كان للعاقلة الخيار إن شاؤوا ضمنوا الولي؛ لأنه تبين أنه قبض ما ليس له ولاية قبضه، وإن شاؤوا ضمنوا الشاهدين؛ لأنهم أتلفوا الدية على العاقلة حكماً بغير حق، وهذا لأن التلف وإن حصل بقضاء القاضي إلا أن الشاهدين بشهادتهما ألجأا القاضي إلى القضاء، فإنهما جعلا بحال لو امتنع عن القضاء يأثم فصار التلف الحاصل بقضاء القاضي بهذه الواسطة مضافاً إلى شهادة الشاهدين، فإن ضمنوا الولي فإن الولي لا يرجع على أحد؛ لأنه ضمن بفعله، وملك المضمون حصل له ولم يوجد من أحد جناية عليه بعد ملكه، وإن ضمنوا الشاهدين رجعا بما ضمنا على المولى لأنهما بأداء الضمان ملكا المضمون من وقت الإتلاف، فصار الولي جانياً عليهما بأحد ملكهما، فلهذا كان لهم حق الرجوع على الولي.
فإن شهدا بقتل العمد وقضى القاضي بالقصاص، فقتله الولي ثم جاء المشهود بقتله حياً لا قصاص على واحد منهم، أما الولي؛ فلأن قضاء القاضي جاء شبهة في حقه، وأما الشاهدان فلأنه لم يوجد منهما المباشرة والقصاص جزاء المباشرة، ولكن ورثة القتيل بالخيار إن شاؤوا ضمنوا الولي وإن شاؤوا ضمنوا الشاهدين؛ لأن الولي قتله حقيقة بغير حق، والشهود قتلوه حكماً بغير حق، فإن ضمنوا الولي لا يرجع على أحد لما مر، وإن ضمنوا الشهود فالشهود لا يرجعون بذلك على الولي في قول أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يرجعون.
فوجه قولهما: أن الواجب ههنا القصاص لكون القتل عمداً، إلا أنه انقلب مالاً لتعذر استيفائه، والقصاص المنقلب مالاً في الانتهاء بمنزلة المال الواجب في الابتداء حتى يقضي ديونه وينفذ وصاياه منه، ولو كان المال واجباً من الابتداء، فإن كان القتل خطأ، قد بينّا أن الشهود يرجعون على الولي بما يضمنون كذا ههنا، وأبو حنيفة رحمه الله