فرق بين الفصلين، فقال: إذا كان المال واجباً من الابتداء، فالشهود إنما يرجعون على الولي باعتبار أنهم ملكوا المضمون على ما مر، هذا المعنى لا يمكن تحقيقة في القصاص المنقلب مالاً؛ لأن المضمون هو الدم، والدم ليس يقابل للملك فلهذا افترقا.
فإن قيل: ينبغي أن يظهر ملك المضمون ههنا في حق الملك البدل كمن غصب من أجر المدبر أو جاء آخر وغصبها منه وأجاز المولى تضمين الأول يصير المدبر ملكاً للأول في حق ملك البدل على الثاني حتى كان للأول، ولأنه تضمين الغاصب الثاني.
قلنا: المدبر مال متقوم ولهذا صح تسميته مهراً في باب النكاح، إلا أنه تعذر نقله من ملك بحقه ولما كان مالاً متقوماً أمكن إظهار الملك فيه في حق تملك البدل إن لم يكن إظهار الملك فيه في حق أحكام أخر. فأما الدم فليس بمال أصلاً، ولهذا لا يصح تسميته مهراً في باب النكاح، فلم يمكن إظهار الملك فيه أصلاً.
ولو كانت الشهادة في الخطأ أو في العمد على إقرار القاتل والمسألة بحالها، فلا ضمان على الشهود؛ لأنه لم يثبت كذب الشهود لأن المشهود الإقرار بالقتل، وليس من ضرورة حياته عدم إقرار المشهود عليه بالقتل وإنما الضمان على الولي في الفصلين.
وكذلك لو شهدوا على شهادة شاهدين على قتل الخطأ وقضى القاضي بالدية على العاقلة والباقي بحاله، لا ضمان على الفروع إذا لم يثبت كذبهما إذ ليس من ضرورة حياته عدم استشهاد الأصول الفروع على شهادتهم، ولكن يرد الولي الدية على العاقلة، ولو جاء الشاهدان الأصلان وأنكرا الإشهاد أصلاً لم يصح إنكارهما في حق الفرعين، حتى لا يجب عليهما الضمان فلا يجب الضمان على الأصلين أيضاً، وهذا لا يشكل على قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الأصلين لو رجعا عن شهادتهما بأن أقرا أنهما أشهداهما بباطل لا ضمان عليهما عندهما فههنا أولى، وإنما يشكل على قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن عنده لو رجع الأصلان عن شهادتهما ضمنا؛ لأن شهادة الأصل صارت منقولة إلى مجلس القاضي، فإنهما شهدا بأنفسهما ثم رجعا، والعذر لمحمد رحمه الله بين إنكار الأصول الإشهاد وبين رجوعهم عن الشهادة: أن شهادة الأصلين عند محمد إنما تصير منقولة إلى مجلس القضاء حكماً لا حقيقة؛ لأنها موجودة في غير مجلس القضاء حقيقة، والشهادة في غير مجلس القاضي لا يكون سبباً للضمان، وإن ظهر كذب الشهود في الشهادة فاعتبرنا الحكم حال رجوع الأصلين، واعتبرنا الحقيقة حال إنكارهما عملاً بالدليلين بقدر الإمكان.
وإن قال المشهود: نحن أشهدناهما بباطل ونحن نعلم يومئذ إنا كاذبين لم يضمنا شيئاً في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، خلافاً لمحمد، وقد مرت المسألة مع حججها من قبل ونزيد حجتها وضوحاً فنقول: العمل بالشهادة على الشهادة بخلاف القياس؛ لأن المنقول إلى مجلس القاضي شهادة الأصل في غير مجلس القاضي، والشهادة في غير مجلس القضاء ليس بحجة، والقضاء بما ليس بحجة لا يجوز، لكنا تركنا القياس وجعلنا شهادة الأصل كالموجودة في حق القضاء حكماَ ضرورة إحياء