الحال؛ لأن القيمة قائمة للحال فيجب تحكيم الحال كما في مسألة الطاحونة.
وإن كانت قيمتها في الحال ألفي درهم وأقام الشهود بينة أن قيمتها يوم القضاء كانت ألف درهم أخر ببينتهم، وكذلك إذا كانت قيمتها في الحال ألف درهم وأقام الورثة بينة أن قيمتها يوم القضاء كانت ألفي درهم أخر بينتهم؛ لأنه لا عبرة لتحكيم الحال متى جاءت البينة بخلافة، كما في مسألة الطاحونة، وإن أقاموا جميعاً البينة فالبينة بينة الورثة؛ لأن في بينتهم زيادة إثبات في قيمتها فيما مضى.
وإذا شهد الشهود أن الميت أوصى إلى هذا الرجل، وقضى القاضي بشهادتهم ثم رجعوا، فلا ضمان عليهم؛ لأنهما ما أتلفا على الميت ولا على الورثة شيئاً بشهادتهما، إنما نصبا من يحفظ المال عليهم.
قال: رجل مات وترك ابناً وثلاثة آلاف درهم، فادعى رجل وهو الأكبر أن الميت أوصى له بثلث ماله، وأقام على ذلك بينة، وادعى رجل آخر وهو الأوسط بمثل دعواه، وأقام على ذلك بينة وادعى رجل آخر وهو الأصغر بمثل دعواهما، وأقام على ذلك بينة والوارث يجحد ذلك كله والموصى لهم يجحد كل واحد منهم وصية صاحبه، وزكت البينات وقضى القاضي بالثلث بينهم أثلاثاً؛ لاستوائهم في الدعوى والحجة وازدحام الحقوق في الثلث الذي اقتصرت الوصايا عليهم عند عدم إجازة الورثة، فإذا قضى القاضي به ثم رجعوا جميعاً عن شهادتهم، لم يضمنوا للابن شيئاً؛ لأن كل فريق يحتج على الابن ويقول: لولا شهادتنا لكان الثلث مستحقاً عليك بشهادة الفريقين الآخرين، ورجوع كل فريق يقتصر عليه ولا يظهر في حق غيره، فيجعل في حق كل فريق كأن الفريقين الآخرين لم يرجعا عن الشهادة، ويضمن كل فريق للموصى لهما اللذين لم يشهد لهما هذا الفريق ثلث الثلث؛ لأن في زعم كل فريق أنه لولا شهادتنا لكان الثلث بين الموصى لهما اللذين لم يشهد لهما نصفين، فإنما تلف على كل واحد منهما نصف الثلث وهو سدس الكل بشهادتنا، فيضمنان ذلك، ولو عدلت شهود الأكبر أولاً وقضى القاضي به بكل الثلث؛ ثم عدلت شهود الأوسط وقضى القاضي له بنصف ما أخذ الأكبر، ثم عدلت شهود الأصغر وقضى القاضي له بثلث ما أخذ، ثم رجعوا فالجواب فيه كالجواب في المسألة الأولى.
فإن قيل: ينبغي أن يضمن شهود الأوسط للأكبر في هذه الصورة نصف الثلث؛ لأنهم أتلفوا بشهادتهم نصف الثلث.
قلنا: نعم إلا أن ثلث هذا النصف، وهو سدس الكل مستحق بشهادة شهود الأصغر، فلهذا لا يضمنون له نصف الثلث. ولو كان الأكبر ادعى الوصية لنفسه، وأقام على ذلك بينة وقضى القاضي ببينة الأكبر ودفع الثلث إلى الأكبر، ثم شهد آخران أن الميت رجع عن قضية الأكبر وأوصى بالثلث لهذا الرجل وهو الأوسط، وأخذ القاضي الثلث من الأكبر ودفعه إلى الأوسط بشهادة شاهده، ثم شهد آخران أن الميت رجع عن وصيته لهذا الأوسط وأوصى بالثلث لهذا الرجل وهو الأصغر، فأخذ القاضي الثلث من