وتاريخهما على السواء، بأن قال كل واحد منهما مثلاً: مات أبي منذ سنة وترك هذه الدار ميراثاً لي، فإنه يقضي بالدار بينهما؛ لأن كل واحد منهما يثبت الملك لمورثه في الدار أولاً ثم يثبت الانتقال من مورثه إلى نفسه، فكأن مورثهما حضرا وادعيا ملكاً مطلقاً لأنفسهما، والعين في يد الثالث، وهناك يقضى بالعين بينهما نصفان، فههنا كذلك، وإن أرّخا وتاريخ أحدهما أسبق بأن أقام أحدهما بينة أن أباه مات منذ سنة، وتركها ميراثاً له، وأقام الآخر بينة أن أباه مات منذ سنتين وتركهما ميراثاً له، وفي هذا الوجه على قول أبي حنيفة آخراً على ما ذكر في «المنتقى» ، وهو قول أبي يوسف آخراً على ما ذكره في «الأصل» ، وهو قول محمد أولاً على ما رواه ابن سماعة عنه، يقضى لأسبقهما تاريخاً؛ لأن للتاريخ عبرة على هذه الأقاويل وأسبقهما تاريخاً أثبت الملك لنفسه في وقت لا مزاحم له فيه، فيكون هو أولى، كما إذا ادعيا الشراء من اثنين، وأقاما البينة وأرخا، وتاريخ أحدهما أسبق، وهناك يقضى لأسبقهما تاريخاً بلا خلاف، وطريقه ما قلنا، وعلى قول محمد آخراً، وهو قول أبي يوسف أولالاً لأن كل واحد من الوارثين يثبت الملك لمورثه أولاً، ثم يثبت الانتقال من مورثه إلى نفسه، ولا تاريخ في ملك المورثين، فكأن المورثين حضرا وادعيا الملك لأنفسهما من غير ذكر تاريخ، وهناك يقضى بينهما، حتى لو أرخا ملك المورثين، وتاريخ ملك أحدهما أسبق كان هو أولى من الآخر، هكذا رواه هشام عن محمد، وأما إذا ادعيا الشراء من رجلين، وأرخا الشراء وتاريخ أحدهما أسبق، فقد روي عن محمد أنهما إذا لم يؤرخا ملك البائعين (١٧٨أ٤) يقضي بينهما نصفان كما في فصل الميراث، فعلى هذه الرواية لا يحتاج محمد رحمه الله إلى الفرق بين الشراء وبين الميراث وفي
ظاهر رواية محمد في فصل الشراء، يقضي لأسبقهما تاريخاً، فعلى ظاهر الرواية، محمد يحتاج إلى الفرق بين فصل الميراث وبين فصل الشراء.
والفرق: وهو أن ملك المشتري حادث ثبت بسبب حادث وهو الشراء، فكل واحد من المشتريين أثبت لنفسه ملكاً حادثاً لا تعلق له بملك البائع، فمن أثبت لنفسه الملك في وقت لا ينازعه فيه أحد كان هو أولى، فأما ملك الوارث فهو ليس بملك جديد، بل هو عين ما كان ثابتاً للمورث؛ لأن الوراثة عقد خلافة، ولا تاريخ في ملك المورثين، فلهذا افترقا، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الأصل» ، وذكر صاحب «الأقضية» عن بشر أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف يقضي للمؤرخ.
وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله أن على قول محمد رحمه الله يقضي لغير المؤرخ، وذكر شمس الأئمة السرخسي أنه يقضي بالدار بينهما نصفان بالاتفاق، هكذا ذكر الطحاوي، فما ذكر في «الأقضية» من قول أبي حنيفة إشارة إلى أن للتاريخ عبرة عند حالة الانفراد في دعوى تلقي الملك من جهة اثنين وهذا قوله الأول ثم رجع، وقال: لا عبرة في دعوى تلقي الملك من جهة اثنين حالة الانفراد، وما ذكر شيخ الإسلام من قول أبي حنيفة قوله الآخر؛ لأن على قوله الآخر التاريخ حالة الانفراد ساقط الاعتبار في هذه