صاحبه بنصف ما أقر له من الثمن؛ لأن كل واحد منهما يستحق نصف الدار، ولم يذكر في الباب الطويل أنه يخير إن شاء أخذ نصف الثمن، وإن شاء ترك، واختلف المشايخ فيه السكوت يحمل على المنطوق، ومنهم من قال ما ذكر في الباب الطويل جواب القياس، وما ذكر في الباب القصير جواب الاستحسان، وظاهر السكوت يدل على أنه لا خيار لهما.
وجه القياس في ذلك: أن كل واحد منهما أثبت على صاحبه أنه باع منه جميع الدار، ولم يسلم له إلا النصف، فيخير كما لو ادعى رجلان شراء عين من واحد ولم يؤرخا، وليس لأحدهما قبض، فإنه يقضي بينهما نصفان، ويكون لكل واحد منهما الخيار لما بينا كذا ههنا.
وجه الاستحسان: أن كل واحد أثبت على صاحبه البيع في جميع الدار إلا أنه أن المنصف من ذلك إنما استحق على كل واحد منهما ببيعه من صاحبه، فإن الأكبر صار بائعاً نصف الدار من الأصغر، والأصغر كذلك، وفي مثل هذا لا يثبت الخيار والله أعلم.
نوع آخر من هذا الفصل
فمن جملة صورته: إذا ادعى أحدهما الهبة مع القبض، وادعى الآخر الشراء، وإنه على وجهين: إن ادعيا ذلك من جهة اثنين، والعين في يد ثالث أو في أيديهما أو في يد أحدهما، والجواب فيما إذا ادعيا ملكاً مطلقاً سواء لأن كل واحد منهما يثبت ملكاً مطلقاً، ثم يثبت الانتقال الى نفسه فكان بمنزلة ما لو حضر الى الملكان وادعيا لأنفسهما ملكاً مطلقاً وأقاما البينة، ففي كل موضع ذكرنا في دعوى الملك المطلق إنه يقضي بينهما نصفان، فههنا يقضي بينهما نصفان أيضاً، قال شيخ الإسلام إنما يقضى بينهما نصفان إذا كان المدعى به شيئاً لا يحتمل القسمة كالعبد، أما إذا كان المدعى به شيئاً لا يحتمل القسمة كالدار والدابة وأشباههما، يقضي بالكل لمدعي الشراء؛ لأن مدعي الهبة أثبت بينة فاسدة، لأنه أثبت الهبة (١٨١ب٤) في الكل واستحق الآخر النصف عليه بالهبة واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة، يوجب فساد الهبة، فلا تقبل بينة مدعي الهبة، وصار كأن مدعي الشراء تفرد بإقامة البينة، والصحيح أن المشاع الذي يحتمل القسمة في ذلك على السواء؛ لأن مدعي الهبة أثبت الهبة في الكل، إلا أنه لأجل المزاحمة سلم له البعض، وهذه المزاحمة بعد القبض، فكان شيوعاً طارئاً، وإنه لا يبطل الهبة.
وإن ادعيا ذلك من جهة واحدة، والعين في يد ثالث، ولم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء، فالشراء أولى؛ لأن الشراء يوجب الملك بعوض، والهبة توجب الملك بغير عوض، فإذا احتجنا إلى نقض وأحدهما كان نقض ما يوجب الملك بغير عوض، وفيه تعليل النقض أولى من نقض ما يوجب الملك بعوض، وفيه تكثير النقض، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر، فالمؤرخ أولى أيهما كان، أما إذا كان المؤرخ يدعي