للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبرأه من غير قبض ويعتبر في حق المصالح التزام المال وأداؤه بمقابلة إسقاط المال عن الغير.

جئنا إلى المسائل، قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : رجل اشترى من آخر عبداً بألف درهم، وكفل عن المشتري بالثمن كفيل بأمر المشتري، ونقد الكفيل للبائع الثمن، ثم غاب الكفيل واستحق العبد من يد المشتري، أو وجد حراً أو مكاتباً أو مدبراً، أو كاتب جارية فوجدها أم الولد، فأراد المشتري أن يرجع على البائع بالثمن. قال: ينظر إن كان الكفيل قد رجع على المشتري بما نقده للبائع كان للمشتري أن يرجع على البائع؛ لأن المشتري في هذا الوجه قام مقام الكفيل؛ وقد كان للمكفول أن يرجع على البائع بما نقد له من الثمن، فكذا لمن قام مقامه أو نقول: الكفيل لما رجع على المشتري وأخذ منه ما نقد صار المنقود ملكاً للمشتري، فكان للمشتري أن يرجع على البائع بذلك عند عدم سلامة المبيع له، وإن كان الكفيل لم يرجع على المشتري بما نقد للبائع لا يكون للمشتري أن يرجع على البائع بالثمن؛ لأن في هذه الصورة، المشتري ما قام مقام الكفيل، ولم يملك المنقود لو رجع رجع بحكم أن نقد الكفيل جعل كنقد المشتري.

وبظهور هذه الأسباب يتبين أن نقد الكفيل لم يجعل كنقد المشتري؛ إذ تبين أن الثمن لم يكن واجباً على المشتري، وأن الكفالة وقعت باطلة، ولأن في هذا الرجوع قطع خيار الكفيل إذا حضر، فإن الكفيل إذا حضر يتخير بين أن يرجع على المشتري بما نقد وبين أن يرجع على البائع، لما يتبين بعد هذا، وبعد ما رجع المشتري على البائع بالثمن لا يبقى للكفيل هذا الخيار، وليس للمشتري أن يقطع على الكفيل خياره.

ثم إذا حضر الكفيل فإن شاء رجع على البائع بما نقد، وإن شاء رجع على المشتري؛ لأنه وجد في كل واحد منهما ما هو سبب الضمان في حق الكفيل، أما البائع فلأنه قبض مال الكفيل بحكم الكفالة الباطلة؛ لأنه بظهور هذه الأسباب تبين أن الثمن لم يكن واجباً على الأصيل، والكفيل يتحمل عنه أو نقول الكفيل قضى ديناً على ظن أنه عليه، وتبين أنه ليس عليه، فكان له أن يرجع بما قضي على القابض، وأما المشتري فلأن المشتري لما أمره بالكفالة عنه بالثمن فقد أمره بأن يقضي دينه بشرط الضمان بالقضاء إن لم يصح؛ لأنه ظهر أن الثمن لم يكن واجباً، نفى الأمر بالدفع بشرط الضمان، كأنه قال: لم أدفع إلى فلان ألف درهم على أني ضامن لك، أو نقول: لما أمره بالكفالة فقد ضمن له تسليم ما يؤدي من ملك نفسه لمنفعة له في ذلك، وهو براءة ذمته، فيثبت له حق الرجوع لما ضمن له كالمغرور يرجع على البائع بقيمة الأولاد؛ لأن البائع ضمن للمشتري سلامة الأولاد بما شرط عليه لنفسه من الثمن، فإن أخذ من البائع لم يرجع البائع على المشتري، وهذا ظاهر لأنه ظهر أن المشتري لم يملك المبيع، فلا يملك البائع الثمن عليه، وإن أخذ من المشتري رجع المشتري على البائع بما نقد الكفيل؛ لأن الكفيل لما رجع على المشتري صار المنقود ملكاً للمشتري، أو قام المشتري مقام البائع على ما ذكرنا.s

<<  <  ج: ص:  >  >>