كان الشيخ الإمام ظهير الدين المرعيناني رحمه الله يقضي بأن الدار تجعل في أيديهما، وبعض مشايخ زمانه كان يفتي بأن الدار تجعل في يد مدعي الإجارة.
وإذا وقع الدعوى على رجل في عقار في يديه، وأقام المدعي بينة على دعواه لابد وأن يذكر الشهود في شهادتهم أنها في يد المدعى عليه، والإقرار لا يكفي حجة لإثبات يده، حتى إن المدعي والمدعى عليه إذا تصادقا أن الدار المدعى في يدي المدعى عليه، فالقاضي لا يقضي بملكية الدار للمدعي بشهادة شهوده على كون الدار ملكاً له، وإنما يقضي إذا شهدوا على يد المدعى عليه، بأن شهدوا أنها في يده اليوم، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» والمنقول في هذا يخالف العقار، فإن المدعى عليه إذا أقر أن المنقول المدعى به في يده فذلك يكفي، ولا يحتاج إلى أن يذكر الشهود أن المدعى به في يد المدعي اليوم؛ لأن في العقار تهمة المواضعة فإن المدعي ربما تواضع رجلاً ويحضره مجلس القضاء ويدعي عليه العقار ويقر المدعى عليه أن العقار في يده، ولا يكون في يده فيقضي القاضي بملكية العقار للمدعي بشهادة شهوده، ويكون قضاء على الغائب في الحقيقة؛ لأن العقار على الحقيقة كانت في يد الغائب، فلهذه التهمة لم يكتف بإقرار المدعى عليه أن العقار في يده، وشرطنا شهادة الشهود على كون الدار في يده.
فأما في المنقول لا تتأتى هذه التهمة فيه؛ لأن المنقول إن كان مستهلكاً فأقر المدعى عليه بالاستهلاك أو بالهلاك كان الدعوى واقعاً في الدين، وقد أقر المدعى عليه بذلك، وإقرار الإنسان على نفسه بالضمان صحيح، فلا حاجة إلى الشهادة أنها في يده، وإن كان قائماً لابد من الإحضار لتصحيح الدعوى والشهادة، وعند الإحضار يعرف القاضي معاينة أنه في يد المدعى عليه فلا حاجة إلى الشهادة على ذلك، فهذا هو الفرق.
وقد ذكر في كتاب «الأقضية» عقيب المسألة التي مرّ ذكرها من قبل هذا بمسألتين، ويجوز القضاء بالملك، وإن لم يشهد الشهود على يد المدعى عليه مع أنه وضع المسألة في الدار فقال: ما ذكر الخصاف قوله، وبه أخذ بعض المشايخ، وما ذكر في «الأقضية» قول محمد وبه أخذ بعض المشايخ، وقيل: في المسألة روايتان، والفتوى على أنه لابد أن يشهد الشهود على يد المدعى عليه في العقار، ثم على ما ذكره الخصاف، وإذا شهدوا أنها في يده أو عن معاينة، حكي عن القاضي الإمام الخليل بن أحمد أن القاضي يسألهم عن ذلك وهو الصحيح، لأنهم ربما سمعوا إقراره أنها في يده، فظنوا أن ذلك يطلق لهم أداء الشهادة على يده عليها، وإنه موضع اشتباه فقد اشتبه على كثير من الفقهاء اشتراط إقامة البينة لإثبات يده، فما لم يعاينوا يد المدعى عليه لا يحل لهم أداء الشهادة على أنها في يده، فلهذا وجب السؤال.
قال القاضي رحمه الله هذا هكذا إذا شهدوا على البيع والتسليم، فالقاضي يسألهم أيشهدون على التسليم بإقرار البائع أو عن معاينة البيع، والتسليم كانت شهادة بملك البائع يوم البيع فوجب السؤال إزالة لهذه الشبهة، ولو أن الشهود لم يشهدوا أن هذه الدار في يد المدعى عليه فقال المدعي: أنا آتي بشاهدين آخرين يشهدان أن هذه الدار في يد المدعى