للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فإن القاضي يقبل ذلك منه؛ لأن الحاجة إلى معرفة ملك المدعي في الدار ليمكن القضاء به للمدعي وإلى معرفة يد المدعى عليه لينتصب خصماً للمدعي لإثبات دعواه، فلا فرق بين أن يثبت الأمرين بشهادة فريقين أو بشهادة فريق واحد، هذا كما في شاهدين شهدا بملك المحدود وشهد آخر له بحدود المحدود فالقاضي يقبل شهادة الفريقين جميعاً ولم يقع الفرق بينما إذا ثبت ملك المحدود، والحدود بشهادة فريق واحد أو بشهادة فريقين كذا ههنا.

قال محمد رحمه الله في دعوى الأصل: وإذا اختصم الرجلان في عبد وكل واحد منهما يقول: هو عبدي وهو في أيديهما فإن كان العبد صغيراً لا يعبر عن نفسه فالقاضي لا يقضي لواحد منهما بالملك ما لم يقم البينة ولكن (١٩٣أ٤) يجعله في أيديهما، وهذا لأن الصغير الذي لا يعبر عن نفسه والبهيمة سواء، ولو كان في أيديهما بهيمة وكل واحد منهما يدعي أنها له، فالقاضي لا يقضي لواحد منهما بالملك فيها، وما لم يعرف القاضي لا يقضي به إلا ببينة، ولكن يجعله في أيديهما؛ لأنه عرف يدهما عليه كذا ههنا، وإن كان الغلام كبيراً يتكلم أو صغيراً يعبر عن نفسه فقال: أنا حر فالقول قوله ولا يقضي القاضي لهما بشيء إلا بالملك، ولا باليد ما لم يقيما البينة على ذلك، ولو قال: أنا عبد أحدهما لم يصدق وهو عبدهما؛ لأنه أقر بالرق فقد ثبت ردهما عليه حقيقة وحكماً، لأن يد الحر ثبت على الرقيق، فهو بقوله: أنا عبد أحدهما يريد إبطال اليد الثانية عليه لأحدهما حقيقة وحكماً، فلا يقدر عليه بخلاف ما إذا قال أنا حر الأصل؛ لأنه أنكر ثبوت اليد على نفسه فاليد لا تثبت للحر على الحر فكان القول قوله، أما ههنا فبخلافه.

وكذلك إذا كان العبد في يدي رجل فأقر أنه لآخر لم يصدق، والقول قول صاحب اليد ثم شرط في «الكتاب» أن يكون الغلام كبيراً يتكلم، وربما يقول في بعض النسخ إذا كان يعبر عن نفس، وإنما الشرط أن يتكلم ويعقل ما يقول، فإذا كان بهذه الصفة يرجع إلى قوله، وإذا كان العبد في يد رجل وهو لا يعبر عن نفسه قال لصاحب اليد: إنه عبدي فالقول قوله ويقضي له بالملك، فإن كبر الغلام وقال: أنا حر الأصل لا يصدق إلا بحجة؛ لأنه يريد إبطال ملكٍ جرى القضاء به.

وكذلك إذا قال: أنا لقيط فهذا كقوله: أنا حر فإن أقام ذو اليد بينة أنه عبده، وأقام العبد بينة أنه حر الأصل، فبينة العبد أولى.

ذكر في «السير» : رجل من أهل الحرب دخل دار الإسلام بأمان وخرج معه مسلم، وفي أيديهما بغل عليه مال كثير، كل واحد منهما يقول: هو ملكي وفي يدي، وقامت بينة من المسلمين أن البغل وما عليه للمسلم أو للمستأمن، فإنه يقضي به للذي شهد الشهود له، كما لو وقعت مثل هذه المنازعة بين المسلمين أو بين الذميين، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وبهذه المسألة ظهر خطأ بعض مشايخنا فيما إذا قال: كل واحد من المتداعين مالي وملكي، إن القاضي لا يلتفت إلى هذه الخصومة ويقول: إذا كان ملكك وفي يدك ماذا تطلب مني، فقد نص ههنا على سماع الدعوى حتى قال بقبول البينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>