والوجه في ذلك: أنه يحتاج إلى دفع منازعة الآخر والبينة لهذا المقصود مقبولة، وإذا قال له القاضي: ماذا تطلب مني، يقول للقاضي: أطلب منك أن تمنع هذا من منازعتي، وتقرر هذا الشيء في يدي.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد في أجمة أو غيضة تنازع فيها فريقان، كل فريق يدعي أنها له وفي يديه، فشهد الشهود لأحد الفريقين أنها في يديه، أو شهدوا لهما أنهما في أيديهما، فإن لم يسألهم القاضي عن تفسير ذلك ولم يزيدوه فهو مستقيم، وإن سألهم عن تفسير ذلك فهو أوثق وأحسن، وهذا لأن اليد على الأجمة والغيضة إنما ثبت بالدليل، وعسى يرى الشاهد شيئاً يظنه دليلاً على اليد، ولا يكون كما ظن فإن سأله ليزول الاشتباه فهو أحسن، وإن لم يسأله واكتفى بما قالوا فله ذلك، لأن السؤال عسى يقضي إلى بطلان الشهادة مع كون الشهادة حقاً، وهو نظير ما لو شهد الشهود بالملك المطلق، أو شهدوا بالدين المطلق، وقضى القاضي بشهادتهم من غير أن يسألهم عن بيان السبب جاز كذا ههنا.
ثم بين ما يعرف به الدليل على الغيضة والأجمة، فقال في الغيضة: إذا كان يقطع الأشجار منها ويبيعها أو ينتفع بها منفعة تقرب من هذا أو أشباهه يستدل به على أنها في يده، وقال في الأجمة: إذا كان يقطع القصب ويأخذها للصرف إلى حاجة نفسه أو للبيع أو ما أشبهه يستدل به على اليد الذي هو دليل الملك، وهذا لأن اليد الذي هو دليل الملك هو القدرة على التصرفات التي تختص بالملك، ومعناه الانتفاع المطلوب من العين وهذا لأن الملك لا يراد لعينه، وإنما يراد الانتفاع بالعين، فإذا شاهدنا قدرته على الانتفاع المطلوب من اليد من غير منازع، علمنا أن اليد التي هي دليل الملك ثابت في حقه قلنا: والانتفاع المطلوب من الأجمة والغيضة الحطب والحشيش والقصب لا الزراعة والسكنى، فإذا شاهدناه يقطع الشجر والقصب وينتفع بها بيعاً وغير ذلك من غير منازع، فقد علمنا باليد التي هي دليل الملك فيقضى له بالملك.
وفي كتاب «الأقضية» : وإذا تنازع الرجلان في دار وكل واحدٍ منهما يدعي أنه في يديه فأقام أحدهم بينة أنهم رأوا دوابه وغلمانه يدخلونها ويخرجون منها، فالقاضي لا يقضي باليد للذي شهد الشهود بما وصفنا له، حتى يقولوا كانوا سكاناً فيها، فإذا قالوا ذلك قضيت بأنها في يد صاحب الغلمان والدواب، وهذا لما ذكرنا أن العبرة للقدرة على المطلوب بين العين والدار، لا يتخذ لدخول الغلمان وخروجهم ولربط الدواب فيها، وإنما يتخذ للسكنى فيها، فما لم يشهدوا على ذلك لم يشهدوا باليد عليها يداً هي دليل الملك.
قال في «القدوري» : وإذا تنازع رجلان في دابة وأحدهما راكب في السرج قضي بينهما، ولو كان أحدهما يقود الدابة والآخر يسوقها قضي بالدابة للقائد يداً، فإنه ممسك بلجام الدابة، والسائق لا يد له إذا لم يكن راكباً.
فإن قيل: إن لم يكن للسائق يداً للدابة فهو مستعمل لها بالسوق، وكما أن اليد دليل