قال الحاكم أبو الفضل: لم يرد بقوله؛ وكل فيها وكيلاً الوكيل بالخصومة وإنما أراد به الوكيل بالحفظ، والوكيل المودع مع هذا جعله خصماً للمدعي.
قالوا: وقد ذكر محمد رحمه الله مسألة في «الجامع» : تدل على أن المودع ينتصب خصماً للمدعي.
وصورتها: رجل مات وترك ثلاثة بنين، وداراً فغاب اثنان منهم، وبقي واحد، فجاء رجل وادعى أن الدار له فقال الحاضر: كانت الدار لأبينا مات وترك ميراثاً لي ولأخوي، فلان وفلان، فاقتسمنا الدار بيننا أثلاثاً، وقبض كل واحد منا نصيبه، ثم إنهما غابا وأودعاني نصيبهما.
فقال المدعي: هذه الدار كانت في يد أبيكم إلى أن مات قسمتم الدار بينكم، ثم إن أخواك أودعاك نصيبهما ولكن الدار لي، وأقام المدعي البينة أن الدار داره قبلت بينته، وقضى بالدار للمدعي، وإن ثبت بتصادقهما كون ثلثي الدار وديعة في يد الابن الحاضر، ويد المودع ليست يد خصومة، وليس الأمر كما قالوا، والوجه لمسألة «الجامع» : أن كون المودع غير خصم في حق المدعي، من حيث إنه مودع لا ينفي كونه خصماً في حقه من وجه آخر، ألا ترى أن من أودع عند إنسان شيئاً ثم إن المودع وكل المودع بالخصومة في ذلك الشيء، ثم قامت البينة على الوكيل الذي هو مودع قبلت بينته.
وفي مسألة «الجامع» ما يحصل الابن الحاضر خصماً في كل الدار؛ لأن الدعوى في الحقيقة على الميت، والبينة قامت عليه، وأحد الورثة ينتصب خصماً عن الميت وعن سائر الورثة فيما يدعي على الميت بخلاف المسائل التي تقدم ذكرها في أول هذا النوع؛ لأن هناك لم يوجد ما يوجب كون المدعي خصماً من وجه آخر، ومن حيث كونه مودعاً لم يصلح خصماً.
ومما يتصل بهذا النوع
دار في يدي رجل ادعاها أنها داره وأقام البينة على ذلك، وقال ذو اليد: إنها دار فلان وأنه (٢١١ب٤) أسكنيها، وجاء بشاهدين شهدا أن فلاناً أشهدنا أن الدار التي في يد هذا داره، وأنه أسكنها هذا الذي في يديه، فلا خصومة بينهما لأنه ثبت وصول الدار إلى يد المدعى عليه من جهة من غاب على وجه لا يفيد الملك في الرقبة؛ لأن الإسكان والإعارة سواء، والإعارة لا تفيد الملك في الرقبة، ولم يشهدا أن فلاناً أشهدنا أن الدار التي في يد هذا داره، وأنه أسكنها هي في يديه، إلا أنا لم نره دفع الدار إليه أم لا؛ لكن علمنا أن الدار كانت في يد هذا الذي في يديه اليوم يومئذٍ، فلا خصومة بينهما أيضاً حتى يحضر الغائب، لأن الشهادة بالإسكان، والدار في يد الساكن يوم الإسكان شهادة بالتسليم.
كما أن الشهادة بالهبة، والدار في يد الموهوب له يوم الهبة شهادة بالهبة والتسليم، حتى أن الشهود إذا شهدوا أن هذا الرجل وهب هذا لهذا المدعي وكان العبد في يد المدعي يوم الهبة يجب القضاء بالهبة؛ كما لو شهدوا بالهبة والتسليم، فصار هذا الوجه نظير الوجه الأول.