وإن شهدوا أن فلاناً أشهدنا أنه أسكنها هذا الذي في يديه الدار اليوم، ولم نعلم يوم الإسكان أن الدار في يد من، ونعلم الآن أنها في يد هذا المدعي عليه، فلا خصومة بينهما أيضاً حتى يحضر الغائب، لأنهم شهدوا بالإسكان، والقبض ثابت للمشهود له معاينة، ولم يعرف لثبوت يده جهة أخرى سوى ما شهد به الشهود، وهو الإسكان، فيحال به على ذلك بالإسكان.
وهو معنى قول المشايخ: إن القبض إذا ظهر عقيب عقد يحال به على ذلك العقد مالم يعرف له سبب آخر، وإذا أحلنا بالقبض على الإسكان صار كأنهم شهدوا بالإسكان والتسليم.
وهو نظير ما ذكر في كتاب الهبة، لو أن رجلاً في يديه عبد ادعى أن فلاناً وهب هذا العبد منه، ولم يزيدوا على هذا، فالقاضي يقبل شهادتهم ويجعل كأنهم شهدوا بالهبة مع القبض كذا هاهنا، ولو شهدوا أن فلاناً أشهدنا أنه أسكنها هذا الذي في يديه اليوم، ونحن علمنا يوم الإشهاد أنها لم تكن في يد المسكن ولا في يد هذا الساكن بل كانت في يد فلان، يعني به إنسان آخر، وفي هذا الوجه لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، لأن الشهود إنما شهدوا بإسكان باطل، لأن الإسكان إنما يصلح بالقبض من جهة المسكن، ولم يثبت القبض من جهة المسكن لا بالشهادة ولا بالمعاينة أما بالشهادة فظاهر.
وأما بالمعاينة، فلأن القبض المعاين للذي الدار في يديه ثابت من حيث الظاهر من جهة من شهد الشهود أنها كانت في يده لا من جهة المسكن، فتكون هذه الشهادة بإسكان باطل، فيكون وجوده والعدم بمنزلة، فإن قال المدعي في الوجه المتقدم وهو ما إذا شهدوا أن فلاناً أشهدنا أنه أسكنها هذا الذي في يديه الدار، ولم يعلم يوم الإسكان أن الدار في يدي أنا أقيم البينة أن هذه الدار يوم الإشهاد على الإسكان كان في يدي رجل آخر غير الذي أشهدهم على الإسكان، يريد بذلك إبطال الإسكان حتى لا يخرج الذي في يديه الدار من أن يكون خصماً للمدعي، فالقاضي لا يقبل هذه الشهادة.
واختلفت عبارة المشايخ في تخريج المسألة، فعبارة بعضهم أن المشهود له باليد في هذه الشهادة لو حضر وأقام البينة أن هذه الدار كانت في يده، لا تقبل منه هذه البينة ولا ينقض يد ذي اليد؛ لأن يد ذي اليد ثابتة معاينة، فإن كان يد فلان يد ملك يجب نقض ذي اليد، فلا يجب نقض يده بالشك، وإذا كانت هذه الشهادة لا تقبل من المشهود له في هذه الشهادة؛ فلأن لا تقبل من المدعي أولى، وعبارة بعضهم أنه ليس غرض المدعي من هذه الشهادة إثبات اليد لغير المسكن؛ لأنه ليس بخصم عنه في إثبات اليد له، وإنما غرضه نفي اليد عن