المسكن يوم الإشهاد على الإسكان والشهادة على النفي لا تقبل.
وحكي أن مشايخ بخارى سئلوا: عن رجل ادعى أن أرضه هذه حرة، وأقام على ذلك بينة، فأجاب أكثرهم بقبول هذه الشهادة، وأجاب بعضهم بعدم قبولها، وقاسه على هذه المسألة، وهذا لأن مقصود الشهود في مسألة الأرض في شهادتهم على حرية الأرض، نفي الخراج عن الأرض، كما أن قصد المدعي في مسألتنا نفي اليد عن المسكن يوم الإشهاد، فكانت هذه الشهادة قائمة على النفي، فنظر إلى المقصود فرجعوا إلى قول هذا القائل، واتفقوا على عدم قبول هذه الشهادة.
وأنا أقول: هذه العبارة الثانية، وجواب مسألة الخراج يشكل بالشهادة القائمة على الإفلاس، فإنها مقبولة بلا خلاف، مع أنها قامت على النفي نظراً إلى ما هو المقصود.
وفي «نوادر عيسى بن أبان» : رجل ادعى داراً في يدي رجل فقال الذي في يديه: إن فلاناً أودعنيها، فقال المدعي: قد كان فلان أودعكها، ولكنه وهبها لك بعد ذلك أو باعكها، فإن القاضي يستحلف الذي في يديه بالله ما وهبها فلان لك ولا باعها منك بعدما أودعها منك، فإن نكل عن اليمين جعله خصماً فيها.
قال: ألا ترى أن المدعي لو أقام بينة أن فلاناً باعها من الذي في يديه بعدما كان أودعها إياه قبلت بينته وجعل الذي في يديه خصماً له فكذا إذا نكل عن اليمين قال: ولا يشبه هذا الوكالة.
وصورتها: رجل آتى رجلاً وقال: إن لفلان عندك ألف درهم، وأنا وكيله في قبضها منك، وقال المدعى عليه: صدقت لفلان عندي ألف درهم وديعة إلا أنك لست بوكيل في قبضها؛ لم يكن للمدعي أن يحلفه على الوكالة لأنه يدعي لغيره، وإنما استحلفه في الأول؛ لأنه ادعاه لنفسه فادعى أن هذا خصمه فيه.
رجل في يديه وديعة لرجل وادعى أنه وكيل المودع بقبضها، وأقام على ذلك بينة، وأقام الذي في يديه الوديعة بينة أن المودع قد أخرج هذه من الوكالة، قبلت بينته، وكذا إذا أقام بينة أن شهود الوكيل عينه.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: رجل في يديه داراً ادعاها رجل فأقام الذي في يديه الدار بينة أن فلاناً الغائب ادعى هذه الدار واستحقها من يده، ودفعها إليه القاضي، ثم إن المستحق أخرجها من الذي في يده؛ فإنه لا تقبل منه هذه على ما ادعى.
علل فقال: لأنها في يديه وهي لا تدفع عن نفسه الخصومة بها، والوجه في ذلك أن صاحب اليد لما قال: إن فلاناً الغائب ادعى هذه الدار واستحقها من يده، فقد أقر أن يده يد خصومة في هذه الدار، ثم بقوله أخذها فلان مني يريد إخراج نفسه عن الخصومة، فلا يصدق على ذلك، ولا تسمع بينته عليه والله أعلم.
القسم الثاني إذا وقعت الدعوى في العبد بعد هلاكه
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : وإذا كان العبد في يدي رجل مات جاء رجل وأقام بينة أنه عبده، وأقام الذي مات العبد في يديه أن العبد كان وديعة في يديه من جهة فلان، أو كان بإجارة في يديه من جهة فلان أو عارية، فإنه لا تندفع الخصومة ويقضي القاضي بقيمة العبد للمدعي، فرق بين هذا وبين ما إذا وقع الدعوى في العين حال قيام العين، وباقي المسألة بحالها فإنه تندفع الخصومة عن ذي اليد.