والفرق: أن العين إذا كان قائماً، والدعوى تقع في العين، والمدعى عليه إنما ينتصب خصماً له في العين بظاهر يده، فإن ظاهر اليد تدل على الملك، إلا أنه يحتمل أنه ليس بذلك، وبإقامة البينة على أن العين وديعة عنده ظهر أن يده ليست يد ملك فيندفع عنه الخصومة، أما إذا كان العين هالكاً فالدعوى تقع في الدين، ومحل الدين الذمة فالمدعى عليه ينتصب خصماً للمدعي بذمته، وإنما أقام المدعى عليه من البينة أن العين كانت في يده وديعة لا يتبين أن في ذمته لغيره، فلا تتحول الخصومة عنه.
ألا ترى أن القاضي يقضي بالقيمة على مودع الغاصب وإن كان يده في العين يد غيره.
فإن قيل: كان ينبغي أن لا يقضي القاضي بقيمة العبد هاهنا؛ لأنه لا يمكن القضاء بقيمة العبد للمدعي إلا بعد القضاء له بملك العبد له لا يجوز أن يكون قيمة العبد لإنسان (٢١٢أ٤) ويكون الملك في العبد لغيره وقد تعذر القضاء هاهنا للمدعي بملك العبد؛ لأن ذا اليد أثبت أن يده في العبد ليست يد ملك، وأن الملك في العبد للغائب.
كما قال محمد في عبد في يدي رجل ذهب عبده يده لو فقيت عينه أو قطعت يده أقام الرجل بينة أن هذا العبد عبده، وأراد أن يأخذ العبد وأن يضمن الذي العبد في يده نصف قيمة العبد، فأقام الذي في يديه العبد بينة أن فلاناً قد كان أودع هذا العبد إياه قبل ذهاب العين واليد؛ فإنه يندفع عنه الخصومة في أرش اليد والعين وإن ادعى الأرش ديناً في ذمته؛ لأنه لا يمكنه القضاء بالأرش إلا بعد القضاء بملك العبد للمدعي؛ لأنه لا يجوز أن يكون الأرش لإنسان، والعبد لغيره، فإذا تعذر القضاء بملك العبد؛ لأن صاحب اليد أثبت أن يده في يد غيره تعذر القضاء بالأرش كذا هاهنا.
قلنا: اختلفت عبارة المشايخ في الجواب عن هذا الإشكال، فعبارة بعضهم أن هذا الإشكال إنما يتأتى إذا تعذر القضاء بملك العبد للمدعي كما في المسألة التي وقع الإشهاد بها؛ لأن هناك تعذر القضاء بملك العبد للمدعي؛ لأن العبد حي قائم، وقد ثبت ببينة ذي اليد أن الملك في العبد للغائب فلو قضينا بالعبد للمدعي كان في هذا استحقاقاً على الغائب، والاستحقاق على الغائب لا يجوز.
وإذا تعذر القضاء بالعبد للمدعي تعذر القضاء بالعين الفائتة للمدعي إذ يستحيل أن يكون العبد لإنسان ويكون عينه لآخر، وإذا تعذر القضاء بالعين الغائبة للمدعي تعذر القضاء بالأرش له، أما في مسألتنا أمكن القضاء بالعبد للمدعي، وإن ثبتت ببينة ذي اليد أن العبد للغائب، فيكون القضاء بالعبد للمدعي قضاءً على الغائب إلا أن القضاء على الغائب إنما لا يجوز إذا كان فيه استحقاق شيء له، وإيجاب شيء على الغائب، فأما إذا لم يكن فيه استحقاق شيء على الغائب يجوز القضاء على الغائب لأن العبد ميت، والميت لا يمكن أن يستحق على الغائب فظهر الفرق بين الفصلين من هذا الوجه.
وعبارة بعضهم: ليس من ضرورة القضاء بقيمة العبد للمدعي، القضاء بملك العبد للمدعي إذ يجوز أن يكون العبد لإنسان وبدله لغيره.