هذا الفصل وقضى القاضي بالدار ثم حضر الغائب وأقام بينة أنها داره كان دفعها إلى صاحب اليد وديعة، فالقاضي يقضي للذي حضر بالدار، لأن الذي حضر لم يصر مقضياً عليه بالقضاء على صاحب اليد، لأن القضاء بالملك المطلق على ذي اليد إنما يتعدى من ذي اليد إلى من يدعي تلقي الملك من جهة ذي اليد أو إلى من كان ذو اليد خصماً عنه في الخصومة في الملك، والذي حضر لا يدعي تلقي الملك من جهة ذي اليدز
وكذلك ذو اليد لم يكن خصماً عن الذي حضر، فلا يتعدى القضاء إلى الذي حضر، وكذلك أن صاحب اليد لو لم يقم بينة على ما ادعى؛ لأن ما يقبل وجوده مثل عدمه.
ثم إن محمداً رحمه الله: صحح دعوى القضاء في هذا الفصل قيل: إنه قول محمد، وقيل: إنه قول الكل، وكذلك فيما إذا وقعت الدعوى في الملك المطلق لو لم يقم صاحب اليد بينة على ما ادعى من الإيداع، وقضى القاضي بالدار للمدعي، لو حضر الغائب، وأقام بينة على أن الدار داره كان دفعها إلى صاحب وديعة، فالقاضي يقضي بالدار للذي حضر وطريقه ما قلنا.
قال: عبد في يدي رجل أقام بينة أنه عبد فلان أودعه إياه، فالقاضي يقضي بعتق العبد ولا تندفع الخصومة عن صاحب اليد بما أقام من البينة إما لأن صاحب اليد انتصب خصماً للعبد بدعوى الفعل عليه وهو الإعتاق، وفي مثل هذا لا تندفع الخصومة عن صاحب اليد، بأقامة البينة على الإيداع من الغير.
أو لأن بينة المدعي أثبت إعتاق صاحب اليد، وإعتاقه ينقض دعواه أنه عبد فلان أودعه إياه، ثم يقضي القاضي بالملك لصاحب اليد حتى يقضي عليه بالعتق، وإن كان هو يجحد الملك لنفسه؛ لأن العبد يدعي العتق من جهة ذي اليد ولا يتمكن من إثبات العتق من جهة ذي اليد؛ إلا بإثبات الملك لذي اليد، فكان للعبد إثبات الملك في رقبته لذي اليد، وإن كان ذو اليد منكراً، ثم إذا قضى القاضي بعتق العبد لو حضر الغائب وأقام البينة على أنها داره، قبلنا بينته وقضينا بالدار له، والفرق من وجهين:
أحدهما: أن البينة حجة شرعية فيجب العمل بها ما لم يضمن ذلك إبطال بينة اتصل بها قضاء القاضي، لأن البينة التي اتصل بها قضاء القاضي صارت حجة كاملة ليرجح جهة الصدق فيها على جهة الكذب، فلا يجوز إبطالها.
إذا ثبت هذا، فنقول في مسألة العتق: لو قضينا للغائب ببينته تبطل البينة التي أقامها العبد على العتق ضرورة؛ لأن العتق لم يبق محلاً لحدوث الملك فيه، فلو قضينا بالملك للغائب لظهر أن العتق لم يكن، فيظهر بطلان تلك البينة ضرورة، وقد اتصل بها القضاء فلا يجوز إبطالها، هذا المعنى في الملك المطلق، فإنا لو قضينا ببينة الغائب لا يظهر بطلان تلك البينة إذ لا يظهر أن الملك لم يكن ثابتاً للمدعي، ولعل كان الملك للمدعي، ثم صار للغائب وقت إقامة البينة، فلهذا افترقا.
والثاني من الفرق: أن القضاء بالعتق على ذي اليد قضاء على الناس كافة، وبيان ذلك من وجوه: