للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أن العبد بالعتق يستحق رق نفسه؛ والرق واحد في حق الناس أجمع؛ لأنه محل الملك، وإنما يختلف حكماً باختلاف سببه، وسبب الرق لا يختلف بل هو شيء واحد وهو الشيء الأول والولادة من رقيقه.

ألا ترى أن الحكم المتعلق بالملك يبطل بتحديد سبب الملك كالرد بالعيب، فإنه إذا باع المشتري ثم اشتراه لا يرد على البائع الأول بعيب كان في يده، والحكم المتعلق بالرق يعود.

ألا ترى لو حلف بعتق عبده ثم باعه ثم اشتراه، ثم حنث؛ عتق العبد، وإذا كان واحداً وقضي به للمدعي يتناول قضاء الناس أجمع لأنه واحد، فلا يتصور مقضياً به للمدعي في حقه غير مقضي به في حق غيره مع كون الحجة حجة في حق الناس أجمع، والملك إذا اختلف جاز أن يقضي للمدعي بما كان لزيد، ويبقى فيه ما كان لعمرو غير مقضي به.

والثاني: القضاء بالعتق قضاء بسقوط مالية المحل؛ وهذا لا يتصور أن يكون ثابتاً في حق زيد دون عمرو، وكان قضاءً على الكل، وأما القضاء بالملك المطلق على ذي اليد قضاء بعدم الملك لذي اليد، وليس من ضرورة عدم الملك لذي اليد أن لا يكون ثابتاً لغيره.

والثالث: العتق، تعلق به أحكام متعدية إلى الناس كافة من أهلية الشهادة، وثبوت الولايات وغير ذلك فانتصب ذو اليد (٢١٣ب٤) خصماً عن الناس كافة، فصار الغائب مقضياً عليه والإنسان متى صار مقضياً عليه في حادثة؛ لا يتصور أن يصير مقضياً له في تلك الحادثة، أما الملك المطلق لم تتعلق به أحكام متعدية إلى الناس كافة فلم يكن القضاء به على ذي اليد قضاء على الناس كافة فبقي الغائب على دعواه.

والرابع: في دعوى العتق حق الله تعالى؛ لأن حق الله تعالى يزداد بسبب العتق من إقامة الجمعة والأعياد والحدود، والزكاة والحج، ولهذا لا يجوز استرقاق الحر برضاه؛ لأن فيه حق الله تعالى وجمع الناس، كالنائبين عن الله تعالى في إثبات حقوقه من حيث إنهم عبيده.

كالورثة نائبين عن الميت في إثبات الحقوق له عليه من حيث إنهم خلفاؤه، ثم بعض الورثة ينتصب خصماً عن الباقين فيما يدعي على الميت وله، فكذا هاهنا وجب أن يكون كذلك، فبهذا الاعتبار ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، ويصير الغائب مقضياً عليه بالقضاء على الحاضر، إلا أن في دعوى العتق دعوى إزالة الملك عن العبد، والملك في العبد من حق العبد، وبعض الناس لا ينتصبون عن الباقين في إثبات حقوقهم إلا بالتوكيل، أو بأن يدعي على الغائب ما يكون سبباً لثبوت ما يدعي على الحاضر، ولا يؤخذ هاهنا واحد منهما، فلا ينتصب ذو اليد خصماً عن الغائب، فلا يصير الغائب مقضياً عليه بهذا الاعتبار، فإذاً الغائب بأحد الاعتبارين صار مقضياً عليه، وباعتبار الآخر لم

<<  <  ج: ص:  >  >>