للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصر مقضياً عليه، ولا يمكن أن يجعل مقضياً عليه، وغير مقضي عليه لما بينهما من التنافي فلا بد من ترجيح أحدهما، فنقول: ترجيح حق الله تعالى أولى لوجهين:

أحدهما: أن في مراعاة حق الله تعالى حق العبد، وهو صيرورته أهلاً للملك والشهادة، وفي مراعاة جانب الملك مراعاة حق واحد وهو حق مولى العبد.

والثاني: أنه اجتمع هاهنا ما يوجب الحرية، وما يوجب الرق، فترجح ما يوجب الحرية، كما لو اجتمعت هاتان البينتان في الابتداء، أما دعوى الملك المطلق فليس دعوى فيه حق الله بل هو دعوى حق العبد، وفي حقوق العباد لا ينتصب البعض خصماً عن البعض إلا بالطريق الذي قلنا، ولم يوجد ذلك هاهنا، فاقتصر القضاء على ذي اليد، ولم يصر الغائب مقضياً عليه.

واستشهد محمد رحمه الله في «الكتاب» : لإيضاح ما قلنا فقال: ألا ترى لو أن رجلاً ادعى عبداً في يدي رجل أنه عبده، وأقام البينة على ذلك وقضى القاضي بعتقه ثم جاء آخر وأقام بينة أنه عبده لم يقض ببينته؛ لأن في الفصل الأول (و) الثاني لم يصر مقضياً عليه ببينة الأول، وفي الفصل الثاني: صار مقضياً عليه ببينة الأول على ما ذكرنا.

قال: عبد في يدي رجل جاء رجل، وأقام بينة أنه عبده اشتراه من ذي اليد بألف درهم ونقد الثمن، وأقام صاحب اليد بينة أنه وديعة عنده من جهة فلان؛ لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، لأن ذا اليد انتصب خصماً للمدعي بدعوى فعل عليه وهو البيع، فصار كما لو انتصب خصماً له بدعوى الغصب عليه.

فقد وضع محمد رحمه الله: هذه المسألة فما إذا ذكر المدعي في دعواه نقد الثمن، ولم يذكر قبض المبيع لا في دعوى المدعي ولا في شهادة شهود المدعي، ولا شك أن في هذه الصورة لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، لأن المدعي ادعى عليه قولاً وهو الشراء، وهو باقٍ حكماً لبقاء حكمه، وهو وجوب تسليم المبيع إلى المشتري، فيبقى دعوى الفعل معتبراً، وذو اليد متى انتصب خصماً بدعوى الفعل عليه لا يدفع الخصومة عنه بإقامة البينة على الإيداع من الغائب.

يوضحه: أن المدعي يدعي عليه وجوب التسليم وهو فعل في ذمته، والأفعال الواجبة في الذمة لا يتصور تحويلها إلى غيره، فلا يقدر على تحويل هذه الخصومة إلى غيره، فأما إذا ادعى الشراء والقبض منه، وقد شهد الشهود بالشراء والقبض من ذي اليد، والباقي بحاله هل تندقع الخصومة عن ذي اليد؟ لم يذكر محمد هذا الفصل في مسألة العبد.

وقد اختلف المشايخ فيه، حكى القاضي الإمام أبو الهيثم عن القضاة الثلاثة: أبي حازم، وأبي سعيد اليزدي، وأبي طاهر الدباس رحمهم الله؛ أن الخصومة تندفع عن ذي اليد. وغيرهم من مشايخنا قالوا: لا تندفع.

وقد وضع محمد رحمه الله هذه المسألة في الدار في باب ما يكون الرجل فيه خصماً، وما يندفع عن نفسه، ونص في هذا الفصل على أنه تندفع الخصومة عن ذي اليد

<<  <  ج: ص:  >  >>