ووجه قول القضاة: أن دعوى الشراء مع القبض دعوى الملك المطلق، إلا أن يرى أن إعلامه ليس بشرط لصحة البينة، حتى إن من قال لغيره: بعت منك عبداً بألف درهم وسلمته إليك، وأقام البينة على ذلك قبلت بينته، وإن كان العبد مجهولاً لأنه أقام البينة على البيع والتسليم؛ فكان دعوى الثمن لا غير، وهذا لأن الشراء ينتهي بالقبض، وبعد انتهائه لا يبقى
حتى يكون دعوى العقد فثبت أنه دعوى مطلق الملك وهذه الدعوى تندفع عن صاحب اليد بإحالة اليد إلى غيره، وجه قول غيرهم من المشايخ من وجهين:
أحدهما: وهو الفعل المذكور، وهو الشراء بقي معتبراً، ولم يصر كدعوى ملك مطلق، ولهذا لا يقضي القاضي للمدعي بالزوائد المنفصلة، ولا يرجع الباعة بعضهم على البعض، ولو جعل بمنزلة دعوى الملك المطلق لكان الأمر بخلافه.
الوجه الثاني: أن المدعي ببينته أثبت الشراء من صاحب اليد، وبيع صاحب اليد العبد من المدعي إقرار أن العبد مملوك له، فإن البيع قد صح، وإن العبد صار ملكاً للمشتري فيصير متناقضاً في دعوى الإيداع من الغائب، فإذا صار متناقضاً لا يسمع دعواه الإيداع، ولا يعتبر بالبينة بدون الدعوى فصار وجودها والعدم بمنزلة.
ولو انعدمت البينة على الإيداع أليس أنه لا تندفع الخصومة عن ذي اليد؟ كذا هاهنا، ثم إذا لم تندفع الخصومة عن صاحب اليد في هذه المسألة على ما هو موضوع محمد، وهو ما إذا ذكر المدعي نقد الثمن ولم يذكر قبض البيع، ولم يشهد الشهود بقبض البيع أيضاً، ووجب القضاء بالعبد لمدعي الشراء، فقبل أن يقضي القاضي لمدعي الشراء بالعبد حضر المقر له، وصدق ذا اليد فيما أقر له به، فإن القاضي يأمر ذا اليد بدفع العبد إلى المقر له، ثم يقضي بالعبد لمدعي الشراء على المقر له، ولا يكلف مدعي الشراء إعادة البينة على المقر له، إنما يؤمر صاحب اليد بدفع العبد إلى المقر له؛ لأن الإقرار من صاحب اليد يكون العبد ملكاً للمقر له وحده في حال العبد ملكه ظاهراً بحكم يده، فاعتبر إقراره في حق نفسه فأمر بتسليم العبد إلى المقر له.
وأما لا يكلف مدعي الشراء إعادة البينة على المقر له؛ لأن بينته قد صحت ظاهراً، يكون صاحب اليد خصماً له من حيث الظاهر، واستحق هو القضاء بهذه البينة، فصاحب اليد بإقراره يريد إبطال البينة القائمة عليه، ويريد إبطال استحقاقه القضاء بهذه البينة، فلا يقدر عليه، واعتبر إقرار صاحب اليد في حق نفسه دون المدعي، وصار الغائب عند حضرته بمنزلة الوكيل بالخصومة عن ذي اليد، وهذا لأن صاحب اليد لما أقرَّ بالملك للغائب، والخصومة أبداً تكون إلى المالك، فقد فرض الخصومة إليه.
وصار حاصل مسألتنا في حق المدعي كان المدعي أقام البينة على ذي اليد فقبل أن يزكي شهوده، وقضي له بالعبد، وكَّل ذو اليد رجلاً بخصومة المدعي، ودفع العبد إليه، وهناك إذا زكيت الشهود يقضى بالعبد للمدعي، ولا يكلف المدعي إعادة البينة، كذا هاهنا.