ببينته أو قبل ذلك، فإذا أعاد بعد القضاء لا تقبل بينته؛ لأن المدعي صار مقضياً عليه من جهة الذي حضر ببينة أقامها عليه وبينة المقضي عليه فيما صار مقضياً عليه لا تقبل، وإن أعاد قبل القضاء قبلت ببينته، وقضي بالعبد له لأنه لم يصر مقضياً عليه فينبغي أن تقبل بينته.
فإن قيل: كيف تقبل بينة المدعي في هذه الصورة؟ وإن الملك قد ثبت له بقضاء القاضي فكان مقيماً البينة على إثبات ما هو ثابت.
قلنا: إنما قبلت بينته ليصير المقر له مقضياً عليه بهذه البينة، فلا تقبل بينة المقر له بعد ذلك على هذا المدعي لا لإثبات الملك له مقصوداً بالبينة، ألا ترى أنه إذا أعاد البينة على المقر له قبلت، وإن لم يكن المدعي محتاجاً إلى البينة لإثبات الملك إنما قلت: ليصير المقر له مقضياً عليه، فلا يقبل بينته بعد ذلك على المدعي كذا هاهنا، ثم إن محمداً رحمه الله قال في الفصل الأول، وهو ما إذا لم يقض القاضي بالعبد للمدعي على الذي حضر حتى أقام الذي حضر بينة أن العبد عبده كان أودعه من صاحب اليد قبلنا بينته؛ وقضينا بالعبد له، وأبطلنا بينة مدعي الشراء.
حكي عن الفقيه محمد بن حامد أنه كان يقول: ينبغي أن يقضى بالعبد بين الذي حضر وبين مدعي الشراء نصفان.
ووجه ذلك: أن اليد التي للذي حضر في العبد غير معتبرة، ألا ترى أن بينته قبلت على مدعي الشراء؟.
ولو كانت يده معتبرة لما قبلت بينته لأن بينة ذي اليد على دعوى الملك المرسل لا تقبل خصوصاً إذا كان ثمة بينة يعارضها أو نقول بعبارة أخرى: العبد وإن كان في يد الذي حضر حقيقة، فهو في يد صاحب اليد الأول حكماً.
ألا ترى أن المدعي لا يكلف إعادة البينة على الذي حضر، ولولا أنه جعل في الحكم كان في يد المقر، وألا يكلف إعادة البينة، فثبت بأن العبد إذا كان في يد الذي حضر حقيقة، فهو في يد صاحب اليد الأول حكماً، وإذا كان هكذا كان الذي حضر خارجاً في العبد كمدعي الشراء، وقد أقام كل واحد منهما البينة على أن العبد له، فينبغي أن يقضي بينهما نصفان.
وقال الفقيه محمد بن حامد: هذا بلغني أن ابن سماعة كتب بهذا إلى محمد بن الحسن، واحتج عليه بمسألة يأتي ذكرها بعد هذا إن شاء الله، وكتب في الجواب: إن الصحيح أن يقضي بالعبد بينهما نصفان.
حكي عن الشيخ الإمام أبي نصر الصفار أنه كان يقول: إن شيخنا أبا الهيثم ما كان يحكي لنا الطعن لكلام ابن سماعة في هذه المسألة، وإنما يحكي مما يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى، وكان يقول ما ينبغي أن يكون في هذه المسألة طعن؛ لأن أكثر ما في الباب إنما يجعل الذي حضر خارجاً حكماً، والمدعي خارج حقيقة مع هذا القضاء ببينة الذي حضر أولى، ويجوز أن يترجح أحد الخارجين على الآخر على ما عرف.
وبيان وجه الترجيح هاهنا: أن مدعي الشراء يدعي الاستحقاق من جهة صاحب اليد