للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغائب وأقام على ذلك بينة، وقال صاحب اليد: فلان ذلك أودعنيه فلا خصومة بينهما، وإن لم يقم صاحب اليد بينة على الإيداع.

وفي «الجامع» من هذا الجنس في: رجل ادعى دابة في يدي رجل، وقال في دعواه: هذه الدابة كانت دابة فلان، وقد اشتريتها منه، وقال ذو اليد: فلان ذلك أودعنيها، فلا خصومة بينهما، ولو لم يقم ذو اليد بينة على دعواه لأنهما تصادقا على أن يده يد غيره المدعى عليه يدعي ذلك صريحاً، والمدعي يدعي ذلك في ضمن دعوى الشراء منه، لأن الشراء لا يصح إلا من صاحب اليد، فدعواه الشراء من الغائب إقرار منه باليد للغائب، والآن يراها في يد صاحب اليد، فالظاهر وصولها إلى ذي اليد من جهة فلان، فعلم أن كون هذا اليد يد غيره ثبت بتصادقهما؛ فاستغنى عن إثباته بالبينة.

عبد في يدي رجل أقام بينة على ذي اليد أنه عبد فلان، وأن فلاناً أعتقه، وأقام على ذلك بينة، وأقام صاحب اليد بينة أن فلاناً ذلك أودعه إياه، فالقاضي لا يقضي بعتق العبد، لأن العبد مع صاحب اليد تصادقا على أنه ملك فلان، وأن بينة العبد على العتق غير مقبولة عليه، لأنه بينة على العتق قامت على غير خصم، لأن صاحب اليد ليس بخصم عن الغائب في دعوى العتق عليه، فصار وجود هذه البينة، والعدم بمنزلة، ولكن القاضي يقف العبد ويحول بينه (٢١٥أ٤) وبين صاحب اليد، وهذا استحسان.

والقياس: أن لا يحول؛ وجه القياس في ذلك: بأن العبد قد أقر على نفسه بالرق، فإنه أقر أنه كان لفلان، فلو وجبت الحيلولة؛ إنما وجبت إذا ثبت العتق بهذه البينة، ولم يثت على ما ذكرنا وجه الاستحسان؛ أن في هذه البينة سببين:

أحدهما: العتق وذو اليد ليس بخصم فيه، والآخر: قصر يد صاحب اليد فهو خصم في ذلك، وأحدها منفصل عن الآخر لجواز أن يكون عبداً ولا يكون لصاحب اليد حق إمساكه، فيقبل البينة فيما هو خصم فيه؛ وهو قصر يده، وإن كان لا يقبل فيما ليس بخصم فيه وهو العتق.

ونظير هذا ما لو وكل رجلاً بنقل امرأته إلى موضع، فأقامت المرأة البينة أنه طلقها، والموكل غائب، فإنه تقبل هذه البينة في حق قصر يد الوكيل على نقلها للمعنى الذي ذكرنا؛ كذا هاهنا، فلم يجعل دعوى العين في هذه المسألة دعوى على ذي اليد، وفي المسألة المتقدمة جعل القضاء بالعتق على ذي اليد قضاءً على الغائب، وجعل ذا اليد خصماً عن الغائب في الإنكار.

والفرق: أن في دعوى العتق على الغائب أمكن مراعاة الحقين من غير إبطال الحرية للعبد بأن يقصر يد ذي اليد عن العبد باعتبار حق الله تعالى، حتى لا يستعمل ذو اليد حراً على كره منه، فلا يقضي بالعتق باعتبار ما للمولى في العبد من الحق، وهو الملك حتى يحضر الغائب، وليس في مراعاة الخصمين إبطال حق العبد في الحرية، بل فيه تأخير إلى أن يحضر الغائب، فيقيم البينة عليه، فيقضي له بالعتق.k

فأما في دعوى العتق على ذي اليد متى راعينا جانب الملك، ولم يجعل الغائب

<<  <  ج: ص:  >  >>