للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لا تندفع عنه الخصومة؛ هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» .

روى الشيخ الإمام الزاهد أبو نصر الصفار؛ في «شرح الجامع» : عن القاضي أبي الهيثم عن القضاة الثلاثة أن ما ذكر في «الكتاب» : أنه لا تندفع الخصومة عن ذي اليد قول محمد في الرهن والإجارة، فأما في الهبة والصدقة ينبغي أن تندفع الخصومة عن ذي اليد؛ لأن في الرهن والإجارة ادعى عليه فعلاً، ولم يقع الفراغ عن أحكامها، فإن من حكمها إدامة القبض، وأنه لو عاد إلى يد الراهن أو الآجر يسقط حكم الرهن والإجارة، فبقي دعوى الفعل معتبراً.

فأما في الهبة والصدقة: وقع الفراغ من حكمها لأن شرط صحتها أصل القبض لا إدامة القبض، فإنها لو عادت إلى يد الواهب المتصدق لا يبطل حكم الهبة والصدقة فسقط اعتبار دعوى الفعل، ومن المشايخ من قال: ما ذكر جواب الكل، وهو الظاهر، فإن محمداً رحمه الله جمع بين الكل وذكر عقيبها جواباً، والظاهر أنه أراد به جواب الكل.

ووجه ذلك: أن ذا اليد انتصب خصماً للمدعي بدعوى الفعل عليه، ولم يسقط اعتبار دعوى الفعل إليه، وإن استوفى أحكامه ولم يصر بمنزلة دعوى ملك مطلق بدليل أنه لا يقضي للمدعي بالزوائد المنفصلة، ولا يرجع الباعة بعضهم على بعض، فبقي دعوى الفعل معتبراً، ولا تندفع الخصومة عن صاحب اليد بإثبات الإيداع من الغائب.

القسم الثاني من هذا النوع أن يدعي المدعي الفعل على صاحب اليد

صورته: ادعى عيناً في يدي رجل أنه له غصبه منه فلان، والجواب فيه كالجواب فيما إذا لم يدع الفعل أصلاً، هكذا ذكر في شرح «الجامع» .

وذكر محمد في كتاب «العلل» : إذا ادعى ثوباً في يدي رجل أنه ثوبه سرقه من فلان الغائب؛ لا تندفع الخصومة عن ذي اليد ويقضى بالثوب للمدعي، وهذا استحسان.

والقياس: أن يندفع كما لو قال: هذا ثوبي، غصبه مني فلان، وأقام صاحب اليد بينة على أنه وديعة عنده من جهة فلان الغائب.

وجه الاستحسان: أنا لو دفعنا الخصومة عن صاحب اليد بهذا يصير ذلك سبباً لوجوب الحد على الغائب، لأن المدعي ببينته، وثبت السرقه عليه، ويقضى عليه بالقطع لأنه ظهر سرقه قبل أن وصل العين إلى المالك، فأما إذا لم تندفع الخصومة عن ذي اليد وقضينا بالثوب للمدعي، لا يجب القطع على الغائب بعد ذلك؛ وإن ظهر سرقته، لأنه إنما يظهر سرقته بعدما وصل العين إلى المالك، ويحتال لدرء الحد ما أمكن، فلم تدفع الخصومة عن ذي اليد بهذه الصورة احتيالاً لدرء الحد، خرج عن هذا مسألة الغصب، لأن هناك لو دفعت الخصومة عن ذي اليد إذا أثبت المدعي بعد ذلك على الغائب؛ لا يلزم الغائب حد.

وفي «الكتاب» علل أيضاً: رجل ادعى ثوباً في يدي رجل أنه ثوبه غصبه منه فلان

<<  <  ج: ص:  >  >>