للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه في إثبات الملك لحاجته إليه ليتهيأ له الحفظ، فكأنه أقام البينة لنفسه، فرق بين هذه المسألة وبينما إذا ادعى العبد على صاحب اليد أنه اعتقه، وقضى القاضي بعتق العبد، فإن هناك لا يقضي بكونه عبداً.

والفرق: أن هناك قد قضينا بحرية العبد على صاحب العبد؛ لأن العبد ادعى العتق عليه، ولما قضينا بالعتق عليه كان هذا قضاء على الناس كافة، أما هاهنا لم يقض له بالعتق؛ لأنه لا يدعي، ولكنه يدعي كونه حر الأصل، وذو اليد ليس بخصم في هذا؛ فلا يقضي ببينته، وإذا لم يقض بحريته هاهنا قبل دعوى الذي من الغائب.

قال محمد: رجل في يديه دار؛ أقام رجل بينة أنها داره، اشتراها من عبد الله بألف درهم ونقد الثمن، وقال ذو اليد: أودعنيها عبد الله الذي يدعي الشراء منه، فإنه لا خصومة بينهما حتى يحضر عبد الله، ولا يكلف الذي في يديه بينة على ما ادعى لأن المدعي أقر بالملك لعبد الله، وادعى الاستحقاق عليه بألف، والدعوى لا تسمع إلا بخصم، وذو اليد ليس بخصم له في ذلك.

يوضحه: أن المدعي يدعي تلقي الملك من جهة عبد الله، وذو اليد ليس بخصم لعبد الله في هذا العين بعدما أقر به لعبد الله، ألا ترى أنه لو حضر عبد الله يؤمر بالتسليم إليه من غير بينة ولا يمين، وإذا لم يكن خصماً لعبد الله كيف يكون خصماً لمن يدعي تلقي الملك من جهته؟ ولأنه ثبت وصول الدار إلى يد ذي اليد من جهة عبد الله بتصادقهما على ذلك من حيث الظاهر، لأن المدعي لما ادعى الشراء من عبد الله، فقد أقر أنها كانت في يده، لأن الشراء لا يصح إلا من صاحب اليد.

وذو اليد لما أقر بالإيداع من عبد الله فقد أقر له باليد أيضاً؛ لأن الإيداع من عبد الله لا يتصور إلا بعد أن يكون في يده، وإذا ثبتت اليد لعبد الله بتصادقهما ثبت تصادقهما على الوصول إلى يد ذي اليد من جهة عبد الله من حيث الظاهر، لأنا لا نعرف يداً ثالثة فيها تحيل وصولها إلى يد ذي اليد من يد ثالث، فتعين وصولها إلى يده من جهة عبد الله.

فهو معنى قولنا: إنهما تصادقا على وصول هذا العين إلى يد ذي اليد من جهة عبد الله من حيث الظاهر، وهذا بخلاف ما لو قال ذو اليد: أودعنيها عمر وكيل عبد الله، حيث لا تندفع الخصومة ما لم يقم البينة عليه، لأنه لم يثبت وصول هذه الدار إلى يده من جهة عبد الله بوجه ما، لأن المدعي إن حصل مقراً من حيث الظاهر بوصول الدار إلى يده من جهة عبد الله لما ادعى الشراء منه، إلا أن صاحب اليد كذبه في ذلك وقال: ما وصل إليَّ من جهة عبد الله، ولم يثبت الوصول إلى يده من جهة عمرو بإقرار ذي اليد لإنكار المدعي ذلك؛ بخلاف ما نحن فيه على ما بينا.

وإن قال المدعي للقاضي: حلف الذي في يديه الدار أن عبد الله أودعها إياه، كما قال فالقاضي يستحلفه بالله؛ لقد أودعك هذه الدار عبد الله، وفيه نوع إشكال أنه قبل قول الذي في يديه الدار من غير يمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>