والجواب: يجوز أن يحلف الإنسان..... أن القول فيه قوله، كالمودع إذا ادعى رد الوديعة كان المعنى فيه أنا إنما دفعنا الخصومة عن ذي اليد لوصول الدار إلى يده، من جهة عبد الله، أو من جهة وكيل عبد الله، فيصح منه دعوى وصول الدار إليه من جهة غاصب عبد الله، أو من جهة وكيله، وذو اليد لو أقر أنه وصل إلى يده من جهة غاصب غصبها من عبد الله كان خصماً للمدعي؛ إلا أن يقيم البينة على ذلك، فقد ادعى على ذي اليد معنىً، لو أقر به يلزمه، فإذا أنكر يستحلف فإن حلف فلا خصومة بينهما، وإن نكل جعله القاضي خصماً للمدعي.
فإن قيل: ينبغي أن لا يحلفه القاضي؛ لأن التحليف يترتب على دعوى صحيحة، ودعوى المدعي أنها وصلت إلى صاحب اليد من جهة غير عبد الله بعد دعواه الشراء من عبد الله وقع فاسداً، لأنه بدعوى الشراء من عبد الله صار مقراً بوصولها إلى صاحب اليد من جهة عبد الله، فيصير بدعوى الوصول من جهة غيره متناقضاً، والمتناقض يمنع صحة الدعوى.
وأما إقرار المدعي بوصول الدار من جهة عبد الله ثابت من حيث الظاهر مع احتمال الوصول من جهة غيره، فلا يصير بدعوى الوصول من جهة الغير بعد ذلك متناقضاً؛ لأنه ادعى ما هو المحيل، فيصح دعواه ويترتب عليه الاستحلاف، فلو أن القاضي حين استحلفه قال: ما أودعنيها عبد الله، ولكن قال: غصبتها من عبد الله، وحلف على ذلك جعله القاضي خصماً له؛ لأنه مناقض في الدعوى من حيث إنه ادعى الإيداع أولاً، ثم الغصب، لأن الإيداع غير الغصب والمتناقض لا يسمع كلامه، فيجعل كأنه لم يوجد منه دعوى الوديعة، ولا دعوى الغصب، ولو لم يوجد واحد منهما لكان القاضي يجعله خصماً، فكذا هاهنا.
فإن قيل: كيف يجعله القاضي خصماً هاهنا، وقد وصل الدار إلى يده من جهة عبد الله بتصادقهما ظاهراً، لأن المدعي يدعي الشراء من عبد الله أقر بوصول الدار إليه من جهة عبد الله، إلا أنهما اختلفا في جهة الوصول، ولا يعتبر باختلاف الجهة بعد الاتفاق على الأصل.
كما في باب الإقرار إذا قال الرجل: لفلان عليَّ ألف درهم من قرض، وقال المقر له: لا بل هو من غصب، فالقاضي يقضي على المقر بالألف؛ لأنهما اتفقا على أصل الدعوى واختلفا في الجهة، فكذلك هاهنا.
قلنا في مسألة الإقرار: الكلامان حصلا من اثنين، فلا ينقض أحدهما الآخر؛ لأن الإنسان لا يملك نقض كلام غيره، إلا أن المقر أقر بوصول الألف إليه من جهة المقر له، فيكون القول قول المقر له أنه بأي جهة وصل، فلهذا لا يصير رداً لإقراره، وهاهنا الكلامان حصلا من واحد، والإنسان يملك نقض كلامه، وبين الكلامين مناقضة من حيث