للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: إن في تعيين ذي اليد سارقاً إيصال الحق إلى مستحقه.

بيانه: أن من عادة السارق أنه إذا سرق يتوارى ولا يخرج للخصومة خوفاً من القطع، فلو لم يتعين صاحب اليد سارقاً تندفع الخصومة عنه، والمدعي لا يحد السارق على ما عليه عادة السراق، فلا يصل المدعي إلى حقه، أما إذا كان سارقاً لا تندفع الخصومة عنه فيصل الحق إلى المدعي، ونحن أمرنا بإيصال الحق إلى أربابها، فكان تعيين ذي اليد سارقاً أولى؛ بخلاف دعوى الغصب والأخذ، لأن هناك لو لم يتعين صاحب اليد غاصباً وآخذاً؛ لا يبطل حق المدعي، إذ ليس من عادة الغاصب في الأخذ الاختفاء والتواري، بل من عاداتهم الخروج للخصومة، فيجد المدعي ويتخاصم معه، فلا يؤدي إلى إبطال حق المدعي لو لم يجعل صاحب اليد غاصباً وآخذاً فلهذا افترقا.

نوع من هذا الفصل

فرع على النوع من هذا الفصل: إذا ادعى المدعي أن هذا عبده، وأقام عليه البينة، وقال صاحب اليد: هو عبد فلان أودعنيه ولا بينة؛ حتى لم تندفع الخصومة عنه بمجرد قوله على ما مرَّ، ولو أن القاضي لم يقض للمدعي ببيته حتى حضر المقر له، وصدق صاحب اليد فيما قال، ودفع العبد إلى المقر له، وقضى القاضي للمدعي بالعبد، بتلك البينة على ما مرَّ كان هذا قضاء على صاحب اليد لما ذكرنا، فإن أقام المقر له بينة على المدعي أنه عبده كان أودعه من صاحب اليد قبلت بينته، ويقضى بالعبد له وتبطل بينة المدعي هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» .

حكى أبو الهيثم عن القضاة الثلاثة أن ما ذكر من الجواب ليس بصحيح أنه يقضي بالعبد بين الذي حضر وبين المدعي نصفان، قال القاضي أبو الهيثم رحمه الله: بلغنا أن ابن سماعة كتب إلى محمد بن الحسن رحمه الله في هذه المسألة، فكتب إليه محمد أن الصحيح أنه يقضي بالعبد بينهما.

قال القاضي الإمام أبو الهيثم رحمه الله: والطعن في هذه المسألة أقوى من الطعن في تلك المسألة، لأن الوجه الذي ذكرناه في فساد الطعن في تلك المسألة لا يتصور هاهنا؛ لأن في هذه المسألة؛ كل واحد منهما يدعي ملكاً منهما، فلا يمكننا أن نقول: هذا مدعي الملك من جهة صاحب اليد، وذلك يدعي مدعي الملك من جهة صاحب اليد، وذلك يدعي الملك لا من جهة صاحب اليد، فهو أولى، ثم إذا أقام المقر له بينة على دعواه، ويطلب بينة المدعي، فالقاضي يقول للمدعي: أعد بينتك على الذي حضر، وإلا فلا حق لك.

فرق بين هذه المسألة وبين ما تقدم: وهو ما إذا ادعى المدعي الشراء من صاحب اليد، فإن هناك وإن أقام الذي حضر بينة على ما ادعى، لا يكلف المدعي إعادة البينة.

والفرق: أن هاهنا المدعي لم يستحق القضاء علي بهذه البينة على الثبات، بدليل أن ذا اليد لو أقام هذه البينة يبطل به استحقاق المدعي، وإذا بطل استحقاقه يكلف إعادة البينة؛ بخلاف ما تقدم، لأن هناك المدعي فلا يستحق القضاء بهذه البينة قطعاً على كل حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>