للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذ مني، أو قال: غصب مني، وأقام صاحب اليد بينة على أن هذا العين وديعة في يدي من جهة فلان، ففيما إذا قال: غصب مني، أخذ مني، تندفع الخصومة عن ذي اليد بلا خلاف؛ لأن دعوى الفعل على المجهول باطل، والتحق بالعدم، فينفي هذا دعوى الملك المطلق، وفيما إذا قال: سرق مني.

القياس: أن تندفع الخصومة عن صاحب اليد إذا أقام البينة على ما ادعى، وهو قول محمد؛ في الاستحسان لا تندفع وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، وجه القياس ما ذكرنا أن دعوى الفعل على المجهول باطل فالتحق بالعدم، وصار كما قال: غصب مني، أخذ مني، وللاستحسان وجهان.

أحدهما: أن الغاصب له يد صحيحة، والسارق ليست له يد صحيحة، ألا ترى أن السارق من الغاصب يقطع؛ لأنه أزال يداً صحيحة، والسارق من السارق لا يقطع؛ لأنه ما أزال يداً صحيحة؟.

إذا ثبت هذا فنقول: إذا ادعى المدعي الغصب فقد أقر بيد صحيحة لغيره فيه، وذو اليد ببينته أثبت أن ذلك للغائب، وأن يده ليست بيد خصومة بل هي يد حفظ على الغائب.

وإذا ادعى المدعي السرقة فما أقر بيد صحيحة للغير في هذا العين ليقال بأن صاحب اليد ببينته أثبت أن ملك اليد للغائب، فإن يده ليست بيد خصومة، وقد توجهت الخصومة على ذي اليد بدعوى الفعل، فلذلك افترقا، هذا هو طريق العامة وإنها مشكلة عندي.

والوجه الثاني: أن المدعي لما لم يسمِّ السارق فهذا بمنزلة تعيين صاحب اليد للسرقة، ولو عينه لذلك أليس أنه لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، وإن أقام ذو اليد بينة على ما ادعى؟ فهاهنا كذلك.

بيان هذا الكلام: أن المدعي إذا لم يسم السارق احتمل أن السارق ذو اليد إلا أن المدعي أراد الستر عليه ابتداءً إلى ما ندب الشرع إليه، ويحتمل أن السارق غيره إلا أنه يرجح احتمال كون ذو اليد سارقاً لوجهين.

أحدهما: أن في جعله سارقاً احتيال لدفع الحد؛ لأنا إذا جعلناه سارقاً؛ لا تندفع الخصومة عنه، وقضى القاضي بالعين للمدعي ويسلم العين إليه، فإذا ظهر السارق بعد ذلك يتعين لا تقطع يده؛ لأنه إنما ظهر سرقته بعد وصول المسروق إلى المالك.

ولو لم يجعله سارقاً تندفع الخصومة عنه، ولا يقضى بالعين للمدعي، فمتى ظهر السارق بعد ذلك يتعين تقطع يده؛ لأنه ظهر سرقته قبل أن وصل العين إلى المالك، فكان في جعله سارقاً احتيالاً للدرء ونحن أقررنا به، فكان تعيينه سارقاً أولى من غيره.

بخلاف ما إذا قال: أخذ مني غصب؛ لأن هناك ليس في تعيين ذي اليد أخذاً احتيالاً، درء الحد إذ لم تتعلق به عقوبة سوى الضمان، أما في السرقة فبخلافه على نحو ما بينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>