للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلفت أجوبة المفتين في هذا؛ والصحيح أن هذا لا يصلح دفعاً لدعوى المدعي، ودعوى المدعي صحيحة وإن ثبت التناقض منه؛ إلا أن هذا تناقض فيما طريقه طريق الخفاء، فإن الأب يستبد بالشراء للصغير، وعسى لا يعلمه بعد البلوغ، فلا يعرف الابن كون الدار ملكاً له، فيظن صحة بيع الأب بعد ذلك، فيقدم على استئجار الدار من المشتري ظناً منه أن الدار ملك المشتري؛ وفي الحقيقة الدار ملكه، ثم بعد ذلك يعلم ما صنع الأب وكون الدار مملوكة له فيدعيها.

فهو معنى قولنا: إن هذا تناقض فيما طريقه طريق الخفاء، والتناقض في مسألة لا تمنع صحة الدعوى.

ألا ترى أن المرأة إذا اختلعت من زوجها على مال، ودفعت المال إليه، ثم أنها ادعت أن زوجها كان طلقها ثلاثاً قبل الخلع، وأقامت على ذلك بينة؛ قبلت بينتها ولها أن تسترد بدل الخلع، وقد صارت متناقضة، فإن إقدامها على الخلع إقرار منها بقيام النكاح، فيصير بدعوى وقوع الثلاث قبل ذلك متناقضة، ولكن قيل لأنها تناقض فيما طريقه طريق الخفاء، لأن الزوج يستبد بإيقاع الثلاث؛ فلعل أوقع الثلاث ولم يعلم المرأة بذلك، فأقدمت على الخلع ظناً منها أن النكاح قائم، ثم علمها بعد الخلع بوقوع الثلاث سابقاً على الخلع، فادعت ذلك.

وكذلك إذا أعتق الرجل عبده على مال ودفع العبد المال إلى المولى، ثم إن العبد ادعى بعد ذلك أن المولى كان أعتقه قبل ذلك، وأقام البينة علىه قبلت بينته، وله أن يسترد بدل العتق، وقد صار متناقضاً؛ مع هذا قبلت بينته؛ لأن هذا تناقض فيما طريقه طريق الخفاء، لأن المولى يستبد بإيقاع العتق على نحو ما بينا في مسألة الخلع كذا في مسألتنا.

وفي «فتاوى النسفي» : سئل عمن ادعى داراً في يدي رجل أنها داره اشتراها من فلان، وصاحب اليد يدعي الشراء من فلان ذلك أيضاً، ولكن تاريخ الخارج سابق، وأقاما البينة فقال صاحب اليد في دفع دعوى الخارج: إن دعواه باطل من قبل أن شراءه بذلك التاريخ وقع باطلاً؛ لأن الدار كانت رهناً في ذلك الوقت من جهة فلان الذي ادعيا تلقي الملك من جهته في يدي فلان وفلان المرتهن حتى يلقاه شراء هذا الخارج هذه الدار لم يرض به، وأبطله فلم يصح شراؤه وصح شرائي؛ لأن شرائي كان بعدما فك فلان الرهن؛ هل يكون هذا دفعاً؟.

قال: لا؛ لأنه لا حق لذي اليد في ذلك الرهن، والمرتهن لم يدع ذلك فكيف تصح دعوى الرهن؟ وهذا الجواب صحيح، وله علل أحدها ما ذكرنا.

والثانية: أن بيع المرهون ينعقد بوصف الصحة فيما بين الراهن والمشتري، وليس للمرتهن حق الفسخ.

والثالثة: أنه لما أقر بفكاك الرهن فقد أقر بنفاذ البيع السابق؛ لأن البيع كان منعقداً بوصف الصحة فيما بين الراهن والمشتري، لكن امتنع البقاء في حق المرتهن لحقه، فإذا بطل الرهن بعد ذلك في حق الناس كافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>