وفي «مجموع النوازل» : رجل ادعى على آخر أنه اشترى مني جارية صفتها كذا كذا، بكذا درهماً، وقبضها واستهلكها، ووجب عليه أداء هذا الثمن إليّ، وهو قد أقر بذلك، وشهد الشهود على المدعى عليه بذلك بعد إنكاره، فقال المدعى عليه في دفع دعواه: إنه يبطل في دعوى الاستهلاك؛ لأن الجارية قائمة في يده، وهي في بلدة كذا في يدي فلان، وأقام شهوداً شهدوا أنا رأيناها حية قائمة في بلدة كذا، هل يصير ذلك دفعاً لدعوى المدعي؟ قال: لا؛ وطول الكلام في بيان العلة، ولم يتضح لنا وجهها.
والوجه في ذلك: أن الاستهلاك أمر زائد في إبطالية البائع المشتري بالثمن، ومجرد القبض يكفي؛ أكثر ما فيه أن دعوى الاستهلاك قد بطل دعوى القبض، وأنه كان في المطالبة بالثمن.
ادعى داراً في يدي رجل شراءً من رجل آخر بشرائط، فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي: إني كنت اشتريت هذه الدار من هذا المدعي فقال المدعي في دفع دعوى المدعى عليه: قد كنا (أقلنا) البيع الذي جرى بيني وبين هذا المدعى عليه، فهذا دفع صحيح.
وكذلك لو كان المدعي من الابتداء ادعى الدار على صاحب اليد ملكاً مطلقاً؛ وقال المدعى عليه في دفع دعواه: إني كنت اشتريت هذه الدار من هذا المدعي فقال المدعى في دفع دعوى المدعى عليه: قد كنا أقلنا البيع الذي جرى بينه، وبين هذا المدعى عليه، كان هذا دفعاً صحيحاً.
وكذلك إذا قال المدعي في دفع دعوى المدعى عليه: إنك قد أقررت أنك اشتريتها مني كان هذا دفعاً صحيحاً.
نوع آخر في دعوى الميراث
رجل ادعى داراً في يدي رجل أنها كانت لأبيه فلان، مات وتركها ميراثاً له، وإن أبي مات، وهذه الدار في يديه، وأقام على ذلك بينة، وأقام ذو اليد بينة في دفع دعوى المدعي، أن أب هذا المدعي أقر في حال حياته أن هذه الدار ليست له، فهذا يبطل شهادة شهود المدعي، هكذا ذكر محمد رحمه الله في آخر «الجامع الكبير» ، وهذا لأن حاجة الوارث إلى إثبات الملك لمورثه في الدار عند موته حتى يخلفه فيها إرثاً، وقد ثبت بينة المدعى عليه إقرار الوارث أن الدار ليست له.
وإقرار المورث بهذه الصفة تمنع المورث عن دعوى الملك لنفسه بنفسه، بعد ذلك فيمنع الوارث عن دعوى الملك المطلق لمورثه عند موته، وكذلك لو شهد شهود المدعي عليه أن الوارث أقر قبل موت المورث، أو بعد موته أنها لم تكن لأبيه، كان ذلك دفعاً لبينة الوارث لما ذكرنا أن حاجة الوارث إلى إثبات الملك للمورث عند موته، فكان مدعياً أنها كانت لأبيه يوم الموت، وقد ثبت بينة المدعي عليه إقرار الوارث أنها لم تكن لأبيه، فجاء التناقض.
وكذلك لو شهد شهود المدعى عليه على إقرار الوارث أن أباه مات والدار ليست